مستقبل غامض وتحول إلى النشر الإلكتروني.. المكتبات في أميركا تواجه خطر الإفلاس بسبب كورونا
أثّرت جائحة فيروس كورونا المستجد على محلات بيع الكتب في جميع أنحاء الولايات المتحدة، ووفقًا لجمعية بائعي الكتب الأميركية، أغلقت 35 مكتبة أبوابها أثناء الجائحة، كما أن 20% من المكتبات المستقلة في جميع أنحاء البلاد معرضة لخطر الإغلاق.
في تقرير نشره موقع "فوكس" (vox) الأميركي، سلّط الكاتب بريس كوفرت الضوء على المشاكل الكبيرة التي تمرّ بها المكتبات المستقلة في الولايات المتحدة في ظل التراجع الحاد في المبيعات، ويستعرض آراء عدد من أصحاب المكتبات الذين لا ينظرون إلى المستقبل بتفاؤل كبير.
ينقل الكاتب عن إيميلي باول مالكة سلسلة "كتب باولز" بمدينة بورتلاند، أنها شعرت بالذعر والخوف عند ارتفاع عدد الإصابات المؤكدة لكورونا، واضطرت بعدها إلى إغلاق متاجرها يوم 15 مارس/آذار الماضي، وقلصت عدد موظفيها من 500 إلى 60 موظفا، وتحولت نحو إستراتيجية البيع عبر الإنترنت.
تمكّنت باول من إعادة حوالي 150 موظفا بفضل تنامي المبيعات عبر الإنترنت وبرنامج حماية الأجور من إدارة الأعمال التجارية الصغيرة، ومن إعادة فتح متاجرها جزئيا.
لكن سلسلة "كتب باولز" وغيرها من المكتبات في الولايات المتحدة تواجه في المقابل تحديات كبيرة جراء قلة المساعدات الحكومية، وخوف الأميركيين من عدوى كورونا، وهذا ما دفع أصحاب المكتبات المستقلة للبحث عن حلول مبتكرة تساعدهم على التأقلّم مع الأزمة الصحية والخروج من الضائقة المالية.
زيادة المبيعات عبر الإنترنت
خلال الفترة الفاصلة بين منتصف شهري أبريل/نيسان ويونيو/حزيران الماضيين، قدمت مؤسسة صناعة الكتب الخيرية الأميركية مساعدة بمبلغ 2.7 مليون دولار لأصحاب متاجر بيع الكتب، وتقول المديرة التنفيذية للجمعية باميلا فرينش إن المبلغ "يعادل مجموع المساعدات التي حصلت عليها الجمعية طيلة السنوات الثماني الماضية".
وقد زادت المنح الفردية التي تقدمها المؤسسة بنسبة 443% خلال العام الماضي، وقد انخفض مستوى المساعدات نسبيا منذ ذروة الجائحة، لكنه ظل مرتفعًا بشكل عام حتى في ظل فتح العديد من المتاجر أبوابها من جديد.
يقول الكاتب إن العديد من المتاجر والمكتبات أغلقت أبوابها أمام الجمهور قبل فرض تدابير الإغلاق بسبب ضيق مقراتها وشعورها بالمسؤولية الأخلاقية خلال أزمة كورونا، واعتمدت إستراتيجيات مختلفة تماما مثل البيع الإلكتروني وخدمات التوصيل وتنظيم فعاليات افتراضية.
وحسب الكاتب، فإن ارتفاع نسب شراء الكتب عبر الإنترنت سواء بهدف دعم القطاع أو بسبب الإقبال المكثف على القراءة أثناء فترة الإغلاق، أدى إلى ارتفاع المبيعات. كما استفادت المكتبات من إستراتيجية أمازون بإعطاء الأولوية لبيع الكتب ضمن السلع الأساسية خلال الجائحة.
وسجلت بعض المكتبات تزايد الطلب على الكتب عبر الإنترنت بحوالي 10 أضعاف مقارنة بالأعوام الخمسة الماضية. وباع مايكل فوسكو ستروب، الشريك في ملكية مكتبة "بوكس آر ماجيك" في بروكلين بنيويورك، حوالي 50 ألف كتاب أثناء فترة إغلاق المدينة.
ومن الكتب التي أقبل عليها القراء بكثافة خلال فترة الإغلاق، تلك المتعلقة بالعنصرية والتمييز العنصري، تزامنا مع احتجاجات "حياة السود مهمة" التي اندلعت في مدن أميركية عدة خلال الأشهر الماضية.
مصاعب وتحديات
ويؤكد الكاتب أن التحول نحو شراء الكتب عبر الإنترنت ساعد على إنقاذ الكثير من المكتبات من الإفلاس، لكنها بذلت في الآن ذاته جهودا كبيرة للتأقلم مع الوضع الجديد.
في هذا السياق، تقول آني فيلبريك مالكة مكتبة "بانك سكوير بوكس" إنها تحملت مسؤولية نقل الكتب إلى منازل العملاء من خلال العمل سائقة شاحنة لمدة شهر أو نحو ذلك، وأضافت أنها كانت تعلّق أكياس الكتب على أبواب تلك المنازل وتقرع الجرس وتعود إلى سيارتها.
ووفقا لهيلاري جوستافسون، مالكة مكتبة "ليتيراتي" في آن أربر بولاية ميشيغان، فإن المكتبة عبارة عن مساحة للتواصل الاجتماعي وتبادل الأفكار، وقالت إن متجرها ينظم عادة 300 حدث سنويا. أما الآن، فقد تغيّر كل شيء وأضحت تركز بشكل كامل على الطلبات عبر الإنترنت، الأمر الذي يتطلب بذل 10 أضعاف الجهد مقابل بيع كتاب واحد، حسب تعبيرها.
وعلاوة على بيع الكتب عبر الإنترنت، أصبحت المكتبات تنظم مؤتمرات تقديم المؤلفات الجديدة ونوادي مناقشة الكتب والفصول الدراسية في العالم الافتراضي، وهي إستراتيجية صعبة وفيها الكثير من الخسائر المالية، وفقا لأصحاب المكتبات.
في هذا الإطار، يقول برادلي غراهام، الشريك في مكتبة "بوليتيكس آند بروز"، "انخفضت المبيعات على الرغم من ارتفاع مستويات المشاهدة في بعض الحالات". وتقول فيلبريك إن المنافسة أصبحت شرسة للغاية بين المكتبات لأن القراء يستطيعون مشاهدة الكثير من مؤتمرات تقديم الكتب عبر الإنترنت.
ورغم العقبات العديدة التي واجهها أصحاب الأعمال الصغيرة في الحصول على قروض ضمن برنامج حماية الأجور أثناء الجائحة، يقول الكاتب إن كل المتاجر التي تحدث إلى أصحابها استطاعت أن تحصل على قروض حكومية جنبتها خطر الإفلاس، كما جاءت المساعدات المالية من مصادر أخرى.
وقد حصلت فيلبريك مثلا على 5 آلاف دولار مساعدة من شركة سبانكس التي تقدم منحًا للشركات التي تديرها سيدات، كما أن بعض العملاء قدموا تبرعات للمكتبات المحلية على أمل مساعدتها في تخطي الأزمة.
لكن هل كانت المساعدات كافية لتجنب السيناريو الأسوأ؟ يقول غراهام في هذا السياق "بالنظر إلى المستوى الحالي للنشاط الاقتصادي، ليس من الواقعي التفكير في أن المكتبات أو شركات البيع بالتجزئة الأخرى يمكنها النجاح في تجاوز الأزمة بمفردها. هناك حاجة إلى مزيد من المساعدة الفدرالية مع استمرار الوباء".
وقد أطلقت مكتبة "فرومانز" -أقدم وأكبر مكتبة مستقلة في جنوب كاليفورنيا- تحذيرا، مؤكدة أنها على وشك أن تغلق أبوابها بعد 126 عاما على تأسيسها، إذا استمر تدني المبيعات.
من جهتها، استنفدت مكتبة "باولز" قرض برنامج حماية الرواتب ولم تستطع تخطي أزمتها المالية. أما مكتبة "بوليتكس آند بروز" فلا تزال بحاجة إلى تحقيق المزيد من الأرباح في الأشهر القليلة القادمة لتكون في مأمن قبل دخول عام 2021. واضطرت بعض المتاجر لفتح أبوابها للوفاء بالتزاماتها المالية قدر الإمكان.
مخاطر صحية
يقول الكاتب إن صحة العملاء كانت الشغل الشاغل للملاك الذين أعادوا فتح أبواب متاجرهم، إذ تم تخفيض ساعات العمل وطاقة الاستيعاب. وركبت المكتبات زجاجا واقيا أمام صناديق الدفع، ووضعت معدات التعقيم في كل مكان.
كما كانت هناك مراقبة صارمة للمتسوقين تهدف للحد من أعداد العملاء داخل المتاجر، والتأكد من ارتداء الجميع أقنعة الوجه بشكل صحيح.
ذهبت هال إلكينز مديرة مكتبة "ديسكون ستريت" إلى أبعد من ذلك، حيث ركّبت مصابيح الأشعة فوق البنفسجية ومنقيات الهواء في جميع وحدات التدفئة والتهوية وتكييف الهواء داخل المتجر، وأبقت الأبواب مفتوحة لتهوية أفضل. كما استبدلت سجاداتها القديمة، وركّبت أنظمة بطاقات ائتمان لا تعمل باللمس.
لقد وجد القائمون على المكتبات أنفسهم أمام مسؤوليات جديدة تماما، كما يقول الكاتب، فعلاوة على المشاكل المالية، أصبح عليهم عبء الاهتمام بصحة موظفيهم وعملائهم وعائلاتهم.
اضطرت هال إلكينز لأن تقرأ المقالات الطبية في وقت متأخر من الليل، وعلقت قائلة "أنا أعيش حالة قلق شديدة بالتأكيد. أشعر بالمسؤولية عن حياة الجميع، وهذا أمر غريب حقا أن تشعر به مديرة مكتبة".
وبسبب الهواجس الصحية، اختار البعض أن يستمروا في الإغلاق، بينما قالت كريس كليندينست مالكة مكتبة "ليفت بانك" عند إعداد التقرير إنها تخطط لفتح أبواب مكتبتها خلال نهاية الأسبوع الأول من أكتوبر/تشرين الأول الجاري، لكن للعملاء الذين أخذوا موعدا بعد الساعة السادسة مساء فقط. وهي تأمل أن السماح لمجموعة مختارة بدقة من العملاء بالعودة إلى المتجر سيكون كافيا لطرد شبح الإفلاس مع الحد من المخاطر الصحية.
ولمساعدة المتاجر التي تحتاج إلى تحقيق مبيعات عالية دون استضافة أعداد كبيرة من العملاء، أطلقت "جمعية بائعي الكتب الأميركية" حملة تحث المستهلكين على التسوق مبكرا تحت شعار "أكتوبر/تشرين الأول هو ديسمبر/كانون الأول الجديد".
وقد ألغت مكتبة "سالاردينو" خدمة تغليف الكتب، والتي كان الناس يصطفون بسببها في طوابير طويلة.
مستقبل غامض
يقول الكاتب إن المتاجر تنتظر صدور الجزء الأول من مذكرات الرئيس السابق باراك أوباما، والذي سيصدر يوم 17 نوفمبر/تشرين الثاني القادم، إذ من المنتظر أن يكون من أكثر الكتب مبيعا، كما أنه قد يوفر للمكتبات أرباحا جيدة، حيث يبلغ سعره 45 دولارا.
لكن مثل هذه التوقعات أصبحت صعبة في ظل الأزمة الحالية، وفقا للكاتب. وأشارت فيلبريك في هذا السياق إلى أن البيانات التي تعتمد عليها عادة للتنبؤ بالمبيعات المستقبلية غير مجدية تقريبا. وتقول باول "بصفتنا أصحاب أعمال، اعتدنا جميعا على التنبؤ"، لكن الآن "لا يمكننا أن نرى أبعد من مدى 30 يوما".
وتخشى هال إلكينز أن يؤدي الانتشار المتزايد للفيروس أو الطقس البارد إلى إحجام الناس عن التسوق في أيام العطل، بالإضافة إلى ما يمكن أن تؤول إليه الانتخابات الأميركية والأزمة الاقتصادية. وتقول إلكينز "لا أعرف حتى ماذا سنفعل. من المحتمل أن نكون في ورطة كبيرة".