أنقذوا توتو.. نقل مقبرة فرعونية للعاصمة الإدارية يثير غضب أثريين

مع استعداد السلطات المصرية لافتتاح العاصمة الإدارية الجديدة التي تروج لها بصفتها أعظم إنجازات الرئيس عبد الفتاح السيسي، اندلعت حالة من الجدل بعد إعلان وزارة الآثار نقل العديد من الآثار الفرعونية إلى متحف العاصمة الجديدة، كان آخرها مقبرة اكتشفت مؤخرا.
وتقدمت البرلمانية نادية هنري بطلب إحاطة إلى رئيس الوزراء ووزير الآثار، بشأن نقل مقبرة توتو الفرعونية مع عدد من الآثار الأخرى إلى متحف العاصمة الإدارية الجديدة التي ستنتقل إليها تدريجيا حكومة الرئيس عبد الفتاح السيسي منتصف العام المقبل.
وقالت البرلمانية في طلب الإحاطة إن نقل وتفكيك الآثار الفرعونية تشويه لها ومحو للتاريخ المصري، وهو ما يُعد جريمة لن تسقط بالتقادم، تحرم الأجيال القادمة من التمتع بها، بحسب وصفها.
وتداول نشطاء معنيون بالآثار المصرية وسم #أنقذوا_مقبرة_توتو، للمطالبة بوقف نقل الآثار الفرعونية إلى العاصمة الجديدة، فيما كانت وزارة الآثار المصرية قد انتهت فعليا من تفكيك الجزء الأكبر للمقبرة.
وقال أستاذ الآثار المصرية القديمة بجامعة القاهرة أحمد عيسى إن مقبرة توتو في محافظة سوهاج، والتي لم يتم النشر العلمي عنها بعد (أي تسجيل وتوثيق كافة عناصر الأثر المعمارية والتاريخية والفنية فيها)، يتم تقطيعها حاليا بمناشير الافتراء وقلة الضمير والانفراد بالرأي الخاطئ.
واكتُشفت المقبرة في أبريل/نيسان الماضي، وهي مزدوجة لشخص كان مسؤولا رسميا يدعى "توتو" وزوجته "تا شريت إيزيس" في مدينة أخميم بمحافظة سوهاج، عاشا في العصر البطلمي (332-30 قبل الميلاد).
مخاطر
وتساءل عيسى بمنشور له في صفحته بالفيسبوك: كيف لو ضاعت مناظر أو نصوص -وهو ما سيحدث لا محالة- فكيف نعرف ما ضاع دون نشر علمي؟ كيف نشرح ونستخرج شهادة وفاة دون وجود شهادة ميلاد أصلا؟ مؤكدا أن ما يحدث يظهر أن القائمين عليه لا يستحقون وصف أثريين، وقد تناسوا أو تجاهلوا أبسط قواعد علم الآثار.
وقال مرشدون سياحيون إن هناك رغبة رسمية في ذبح مقبرة رائعة لا تهددها أية أخطار، وتعد نواة لجبّانة متكاملة تحيي منطقة أخميم بكاملها. وتساءلوا: فلماذا يتقرر تقطيع المقبرة لنقلها إلى متحف ما زال تحت الإنشاء، مع وجود عشرات الآثار المهمة في العراء معرضة لكل عوامل التلف والتعرية يمكن نقلها إلى المتاحف للحفاظ عليها؟
وترجع المقبرة إلى العصر البطلمي، وكانت الزوجة تعمل عازفة للصلاصل (الشخشيخة) الخاصة بالمعبودة حتحور، وتم الكشف عنها بعد تعقب الشرطة مجموعة من المهربين أثناء حفرهم في المنطقة بشكل غير قانوني.
والمقبرة مزدوجة، وما زالت محتفظة بنقوشها وألوانها البديعة، وأهمها منظر الزوج والزوجة مع المعبود أنوبيس ثم معبود البعث والحساب ورئيس محكمة الموتى أوزوريس، بالإضافة لتابوتين فيهما بقايا آدمية والعديد من مومياوات الحيوانات والطيور.
تبرير حكومي
من جهته، أوضح رئيس الإدارة المركزية للترميم في وزارة الآثار غريب سنبل أنه تم الانتهاء من قطع نحو 90% من جدران المقبرة، تمهيدا لنقلها إلى متحف العاصمة الإدارية الجديدة، لتخرج إلى النور ويشاهدها الجميع.
وأكد سنبل في تصريحات صحفية أنه تم نزع نقوش المقبرة بنسبة نجاح 100% دون تعرضها لأي ضرر، مشيرا إلى أنه ستتم إعادة تركيب المقبرة كما كانت في مقرها بسوهاج داخل متحف العاصمة الإدارية، حيث ستعرض بنفس الشكل التي اكتشفت عليه.
ويدافع مسؤولو وزارة الآثار عن نقل المقبرة بالقول إنها تقع في منطقة غير آمنة وغير مأهولة بالسكان، بينما يفند مرشدون سياحيون هذه الدعوى بالقول إن المكان يقع على بعد ثلاثمئة متر من منطقة الكوثر الصناعية، الآهلة بالمصانع والسكان، والقريبة من كنيسة كبيرة تسمى العذراء.
وقال الخبير الأثري أحمد صالح إن التبريرات الحكومية استهزاء بالعقول، موضحا أن كون المقبرة في وضع صعب وتعاني من مشاكل هو قول خاطئ، إذ إن الصور المأخوذة لها تشير إلى أنها في وضع جيد ومستقر.
وتابع في منشور له بصفحته على الفيسبوك "لو كان عدم استقرار وضع وحالة المقبرة هو السبب لكان الأولى نقل معابد تعاني أشد المعاناة من سوء أحوالها كمعبد أسنا"، مشيرا إلى أن النقل أصبح سمة واضحة في فكر المسؤولين إلى متاحف ارتبطت بمواقع عمرانية جديدة كمتحف العاصمة الإدارية ومتحف العلمين الجديد، وذلك للتقرب من السلطة على حساب الآثار.
ولفت إلى أن حمى نقل الآثار بدأت بفكرة نقل المنابر التاريخية من مساجد القاهرة لكن تم إحباطها، ثم نجحوا في نقل مسلات صان الحجر من الشرقية وتماثيل وآثار من موقع ميت رهينة التاريخي، وحاليا يجري تقطيع مقبرة توتو.
وأكد أن هذه السياسة مخالفة للعقل والمنطق والمواثيق الدولية للحفاظ على التراث الحضاري للشعوب، ومن ضمنها ميثاق فينسيا الذي وقعت مصر عليه في 1964.
وتنص المادة السابعة من الميثاق الدولي على أنه لا يمكن فصل المعلم التاريخي عن النسيج الحضاري الذي هو جزء منه، ولا يكون ذلك مقبولا إلا في حالة الضرورة القصوى.
وأوضح صالح أن نقل المقبرة من أخميم بدلا من ترميمها وفتحها للزيارة، يجرد مدينة تاريخية من حقها في الحفاظ على تراثها وتنميته.
يذكر أن سيناريو العرض المتحفي الذي سيكون عليه متحف العاصمة الإدارية الجديدة، سيحكي قصة تاريخ العواصم المصرية، حيث يُوثق تاريخ تلك العواصم لأول مرة من أول عاصمة مصرية بعد توحيد البلاد، وهي "منف"، وصولا إلى العاصمة الإدارية الجديدة.