سؤال الاسترداد الكبير.. هل تعيد المتاحف الغربية المقتنيات المنهوبة إلى مواطنها الأصلية؟
في مطلع عام 1897، نشرت صحيفة التايمز البريطانية عما أسمته "كارثة" في مدينة بنين النيجيرية؛ إذ دخل الإنجليز المدينة خلال مهرجان ديني وتعرض أعضاء وفد بريطاني لهجوم بدا أنه بدوافع انتقامية.
وربما سعى الهجوم للإطاحة بملك بنين الذي تحدى الإمبراطورية البريطانية؛ فعلى إثر الهجوم قام البريطانيون بحملة عقابية واقتحموا قصر الملك ونفوه، ولتغطية تكاليف الحملة نهب الجنود الإنجليز الكنوز الملكية والقطع العاجية الدقيقة والمنحوتات والسبائك النحاسية الرائعة والمعروفة باسم "برونز بنين" التي صنعت من قبل شعب إيدو بدءا من القرن الثالث عشر.
وانتهى الأمر بوصول حوالي سبعمئة قطعة من أصل أربعة آلاف إلى المتحف البريطاني، وأثارت إعجاب ملايين الزوار لعقود طويلة، بينما بيعت بقية القطع إلى متاحف ألمانيا والنمسا ثم الولايات المتحدة، وأسهمت في تقدير الأوروبيين للفن والثقافة الأفريقيين.
وبالنسبة لفرنسا، فقد كان لها نصيبها كذلك من القطع الأثرية لبنين التي أخذها الفرنسيون خلال الاستحواذ على أفريقيا في التسعينيات من القرن التاسع عشر.
|
رحلت الإمبراطوريات وبقيت مقتنياتها
ربما تكون الإمبراطورية قد انهارت، لكن الغطرسة الاستعمارية البريطانية تجاه المستعمرات السابقة لم تنهر بالتأكيد؛ فأثناء استعمارها لربع أنحاء العالم أخذت بريطانيا الكنوز والمصنوعات اليدوية وقدمتها للجمهور البريطاني ليبدي إعجابه بها في المتاحف، لكن الآن لا يوجد مبرر للاحتفاظ بهذه المقتنيات المسروقة.
وإذ تكافح نيجيريا منذ عقود لإعادة قطعها المنهوبة، يبدو أن المتاحف البريطانية تعتقد أن لها حقا إلهيا في الاحتفاظ بالقطع، وأصبحت اللجنة الوطنية النيجيرية للمتاحف والآثار محبطة للغاية لدرجة أنها تلجأ الآن إلى المطالبة باستعارة ممتلكاتها الخاصة.
وليست فكرة إعارة المقتنيات المسروقة جديدة، فقد اقترح متحف فيكتوريا وألبرت البريطاني (V&A) إعارة كنوز إثيوبيا إلى بلادها، وتشمل تاجا من الذهب من القرن الثامن عشر وفستان زفاف ملكيا ومجموعة رائعة وجميلة أخرى تم الاستيلاء عليها من قبل البريطانيين في عام 1868.
فأثناء الحملة الإنجليزية السريعة على الحبشة، جرى نهب المخطوطات التي لا تقدر بثمن، واللوحات والقطع الأثرية من الكنيسة الإثيوبية التي كانت في حاجة إلى 15 فيلا و200 بغل لنقلها بعيدا، وانتهى بها المطاف موزعة بين المتاحف البريطانية حتى اليوم.
وإذ تتعرض المتاحف الأوروبية لضغوط متزايدة لإعادة القطع الأثرية التي لا يمكن تعويضها والتي نُهبت خلال الحقبة الاستعمارية، يلقي النقاش الأخلاقي والتاريخي والقانوني الضوء على المأساة الأخلاقية لكيفية انتقال القطع الأثرية إلى المتاحف، بوسائل شملت "السرقة والنهب والإحباط والخداع والموافقة القسرية" وغيرها من الطرق غير المشروعة التي حصلت بموجبها القوى الاستعمارية على هذه المواد، بحسب تقرير سافوي سار الرسمي الفرنسي.
ويعتبر أستاذ علم الآثار بجامعة بريستول وخبير علم الآثار التاريخي مارك هورتون، أن سجل القوى الاستعمارية في البلدان الأفريقية كان مثيرا للاشمئزاز؛ إذ تم فرض الحكم الاستعماري بواسطة فوهة البندقية، مع شن حملات عسكرية بأعذار واهية، مستشهدا بحملة بنين عام 1897 التي كانت هجوما عقابيا على مملكة بنين القديمة التي لم تشتهر بمدينتها الضخمة وأسوارها فحسب، بل بلوحاتها البرونزية والتماثيل المصنوعة من النحاس الاستثنائي المصبوب.
وتعرضت المدينة للإحراق وقام الأميرال البريطاني ببيع "الغنائم الأثرية" المقدرة بأكثر من ألفي عمل فني لتمويل نشاطه.
وبخلاف الحملات العسكرية فقد جُمع العديد من القطع الأثرية الغالية من أفريقيا والشرق الأوسط بواسطة المغامرين والموظفين الاستعماريين والتجار والمستوطنين الذين لا يشغل بالهم التفكير في شرعية تملك هذه القطع. وحتى لو تم شراؤها من مالكيها المحليين، فغالبا ما كان ذلك مقابل أجر زهيد لا يناسب أهمية القطع، خاصة مع انعدام قوانين وضوابط للحد من تهريبها، فجرى جمعها ونقلها ببساطة، واستمرت هذه الأنشطة أيضا في القرن العشرين.
وغالبا ما احتُج بأن القطع الأثرية المحفوظة في المتاحف الغربية تعد أكثر أمانا من تركها في أفريقيا، ويرى هورتون أن هذه الحجة تحمل الكثير من المواقف العنصرية التي تنظر للسكان الأصليين باعتبارهم غير موثوق بهم لحفظ وتنظيم تراثهم الثقافي، ولو صح ذلك فهو أيضا نتيجة للأثر المدمر للاستعمار.
وعود الاسترداد.. أين شمال أفريقيا العربي؟
وفي عام 2017، وعد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بإعادة القطع الأثرية الأفريقية إلى القارة، وأثار التصريح دهشة واسعة بالنظر للأبعاد الاقتصادية والسياسية لقرار فرنسا التي بسطت يدها طويلا على الموارد الطبيعية والثقافية لأفريقيا.
وفي هذا السياق، كلف ماكرون المؤرخة بنديكت سافوي والخبير الاقتصادي السنغالي فيلين سار بإصدار تقرير عن إمكانية إرجاع الآثار، وأوصيا بالفعل بضرورة إعادة جزء من المقتنيات والقطع الأثرية التي يبلغ عددها تسعين ألفا من أصول تعود إلى جنوب الصحراء الأفريقية.
وفي أعقاب التقرير نشرت مجلة "جون أفريك" الفرنسية تقريرا ينتقد غياب الإشارة لبلدان شمال أفريقيا فيه، وكانت فرنسا التي استعمرت تلك البلدان استحوذت على الكثير من تحفها الفنية بما فيها ألواح قرطاجية وتماثيل رومانية وكنوز بيزنطية وغيرها من المسروقات التي أخذت من العثمانيين وضمت إلى المجموعات الفرنسية.
وسبق أن طالبت مصر باستعادة حجر رشيد الشهير الذي سمح لشامبليون بفك الشفرة الهيروغليفية القديمة من المتحف البريطاني منذ ديسمبر/كانون الأول 2009، بطلب قدمه رئيس مجلس الآثار زاهي حواس، كما أنها قدمت طلبا سابقا عام 1925 لمتحف نيو في برلين لاستعادة "رأس نفرتيتي" الذي لا يقل شهرة عن حجر رشيد الآنف الذكر.
وفي السياق، تطالب الجزائر بممتلكاتها، وقد وعد ماكرون في نهاية عام 2017 بإعادة جماجم 37 مقاتلا جزائريا تحتفظ بها فرنسا منذ القرن التاسع عشر في المتحف الوطني للتاريخ الطبيعي في باريس.
وسبق أن أعادت إيطاليا في حكم معمر القذافي "حورية قورينا" بعد عرضها فترة طويلة في متحف الحمامات بروما، حين جاء رئيس الوزراء سيلفيو برلسكوني إلى بنغازي يحملها مع اعتذار عن استعمار بلاده لليبيا، ورغم ذلك بقيت أغلب القطع الأثرية من شمال أفريقيا معروضة في المتاحف الأوروبية.