لسان عربي أصيل شكل لغات أوروبية حديثة.. هكذا تحدثت جزر المتوسط

VALLETTA, MALTA - MARCH 09: A general view over the harbour and old town on March 09, 2018 in Valletta, Malta. Valletta, Malta's capital has been declared the 2018 European Capital of Culture. (Photo by Dan Kitwood/Getty Images)
المالطية كانت لغة منطوقة فقط حتى أواخر القرن الـ 19 عندما تم تعريف وكتابة قواعدها (غيتي)

ربما لا يفاجئك وجود كلمات ومفردات عربية كثيرة في لغات أوروبية مثل الإسبانية، لكن وجود لغة أوروبية منحدرة من أصول عربية قد يكون مثيرا للإعجاب.

تكشف دراسات حديثة أنه من حيث الكلام اليومي يستطيع متحدثو المالطية فهم أقل من ثلث ما يقال لهم باللسان العربي التونسي الذي يرتبط تاريخيا بالصقليّة العربية.

كما أن الناطقين باللهجة التونسية قادرون على فهم ما يصل إلى 40% مما يقال لهم بالمالطية التي تطورت عن اللسان الصقلي العربي عبر قرون طويلة.

وبخلاف المالطية والصقلية العربية توجد أيضا القبرصية العربية أو اللسان اللساني الماروني، وهي لهجة مشتقة من اللسان العربي ويتحدث بها المجتمع الماروني في قبرص حتى الآن رغم تراجعها الكبير.

العربية بمالطا وصقلية
المالطية لغة ذات أصول سامية، لكنها اللغة الوحيدة من نوعها التي تكتب بالحروف اللاتينية بدلا من العربية، وكانت لغة منطوقة فقط حتى أواخر القرن الـ 19 عندما تم تعريف وكتابة قواعدها، لكن جذورها وأصولها تعود إلى أبعد من ذلك بكثير.

ويُعتقد أن الفينيقيين -الذين وصلوا مالطا عام 750 قبل الميلاد- هم من وضعوا أساس المالطية معهم والتي تأثرت كثيرا بعد ذلك باللسان العربي.

خلال القرنين السابع والثامن فتحت صقلية بيد عرب تونس والقيروان، وكان الفتح العربي المسلم لصقلية البيزنطية تدريجيا وبطيئا.

وفي القرن التاسع الميلادي، كانت مالطا موطنا للعرب الذين وضعوا بصماتهم على الجزيرة قرابة أربع قرون، وتأثرت ثقافة الجزيرة بإقامتهم من الطعام إلى المعمار، لكن تأثيرهم على المالطية لا يزال يمثل إرثهم الأكبر المستمر حتى الآن.

وتوفر أسماء الأماكن والأرقام وأيام الأسبوع وكلمات المحادثة الأساسية دلالات قوية على تأثير العربية، وعلى سبيل المثال الأرقام نفسها وكثير من المفردات اليومية وحتى العديد من الألقاب التي لا تزال مستخدمة حتى اليوم وتشبه أسماء عائلات شمال أفريقيا العربي.

وبعد أن غادر العرب في القرن الـ 13 الميلادي، كانت مالطا متأثرة بمجموعة من الثقافات الأخرى من الإيطاليين إلى الفرنسيين ، وبالطبع الإنجليزي، وتركت كل هذه الفترات الزمنية بصماتها على اللغة المحلية التي تطورت كلغة مميزة وانقطعت عن مصدرها العربي، خاصة بعد أن انقرضت اللهجة الصقلية العربية وحلت محلها الصقلية بجزيرة صقلية القريبة.

وإذ تشكل الصقلية العربية حوالي ثلث المفردات المالطية -وخاصة الكلمات التي تدل على الأفكار الأساسية والكلمات الوظيفية- تتوزع النسب الباقية بين مفردات مستمدة من الإيطالية والصقلية، وبنسبة أقل مفردات إنجليزية وفرنسية.

وتطورت المالطية الحالية من لهجات الصقلية العربية على مدى القرون الثمانية الماضية متدرجة نحو اللاتينية التي أثرت فيها كثيرا، ونتجت المالطية عن هذا التفاعل الطويل بين اللغتين بالجزيرة القريبة من تونس وشمال أفريقيا.

توصف المالطية بأنها اللغة السامية الوحيدة بين اللغات الأوروبية من حيث تأثرها بالعربية (شترستوك)

ومن مالطا إلى صقلية الإيطالية القريبة، تطور اللسان الصقلي العربي أو سلف المالطية من اللهجة المغربية العربية في وقت مبكر بعد فتح صقلية بالقرن التاسع الميلادي، لكنه تعرض للتهميش تدريجيا بعد سيطرة النورمان الإيطاليين على الجزيرة بالقرن الـ 11.

وانقرض اللسان الصقلي العربي لاحقا، وتم تصنيفه كلغة تاريخية لم تبق إلا في كتابات قديمة بالجزيرة، وبالطبع في اللغة المالطية التي تطورت عنها.

وبقيت في صقلية عشرات الكلمات ذات الأصول العربية معظمها يتعلق بالزراعة، منذ الثورة الزراعية العربية بالجزيرة، إذ أدخل المسلمون تقنياتهم المتقدمة للري والزراعة وأنواع محاصيل جديدة لا تزال تستوطن الجزيرة حتى يومنا هذا.

السانّية أو العربية القبرصية المارونية
تتحدث أقلية من الموارنة بجزيرة قبرص مزيجا من العربية والآرامية القديمة تدعى السانّية أو (العربية القبرصية المارونية)، ويتم التحدث بها فقط في قرية كورماكيتي بجزيرة قبرص، وتعتبرها اليونسكو "مهددة بشدة".

ووجد المجتمع الماروني بالقرية منذ هجرة أعداد كبيرة من المسيحيين من لبنان وسوريا في وقت مبكر بين القرنين الثامن والـ 13، وحافظت سانا على نظام الجذر الثلاثي للعربية الفصحى في أفعالها.

وتسببت العزلة الطويلة لهذه اللهجة عن اللهجات العربية في تطورها بمسار خاص بها، كما تأثرت باليونانية إلى حد جعلها غير مفهومة عمليا للمتحدثين بالعربية.

ولم تُكتب لهجة سانا غالبا رغم أن هناك محاولات حديثة لوضع قواعد كتابية لها، وبقيت اليونانية لغة التعليم والمعاملات الرسمية، بينما اقتصر وجود السانية على الأغراض العائلية والدينية.

المصدر : الجزيرة