زقورة أور.. أقدم أهرام بلاد الرافدين المليئة بالأسرار
علاء كولي-ذي قار
على مسافة عدة كيلومترات، بإمكان الزائرين لها، رؤية أطلال زقورة أور شامخة في الأفق، وعند الاقتراب منها أو الصعود فوقها، سيجد الزائر نفسه عند أعتاب بناء عمراني في غاية الدقة، والشعور بهيبة المكان الذي تتوسطه الزقورة، حيث مدينة أور الأثرية الموغلة في القدم.
وتشكل الزقورة -وهي كلمة أكدية معناها المكان المرتفع- الهوية التاريخية والحضارية لمحافظة ذي قار، ويرتبط الناس هنا بذاكرة هذه المدينة التي كانت يوما ما واحدة من أعظم الممالك على وجه الأرض، وأكثرها دقة وتنظيما لحياة سكان بلاد الرافدين القدماء، بحسب ما تذكره التنقيبات الآثارية.
ويؤكد الباحث والآثاري ومدير متحف الناصرية الحضاري عامر عبد الرزاق للجزيرة نت أن "زقورة أور تعد أقدم فكرة للبناء المدرج في العالم، حيث بناها الملك (أور نمو) من سلالة أور الثالثة (2100 قبل الميلاد).
ويضيف عبد الرزاق أنها "أقدم من الأهرامات المصرية وأهرامات بيرو والأنكا في المكسيك، حيث تقع غرب مدينة الناصرية بـ 17 كلم، وظهر السكن فيها منذ أكثر من أربعة آلاف عام قبل الميلاد".
الرقم 3
وتتألف الزقورة -يوضح الباحث- من ثلاث طبقات وثلاثة سلالم، كل منها مؤلفة من مئة درجة، لأن 3 من الأرقام المقدسة بالعراق القديم، ولهذا يراه بعض علماء الآثار رقما ميتافيزيقيا، ما وراء أو ما فوق عالم الطبيعة، ويعطي بُعدا آخر لطريقة تفكير السومريين آنذاك.
وبُنيت زقورة أور بطريقة في غاية الروعة -كما يكشف عبد الرزاق- على قاعدة مربعة طول ضلعها 42 مترا، ترتفع الطبقات المتعاقبة والمتساوية الارتفاعات، وهي صلدة ومبنية جميعها من اللبِن، وقد كسيت من الخارج بطبقة سميكة من الآجر الأحمر المفخور، وبطريقة هندسية، تُسمى "السبط"، ويميل البناء إلى الداخل كلما ارتفع إلى الأعلى، مما يعطي للناظر خدعة بصرية، ليبدو أعلى من ارتفاعها الحقيقي.
وارتفاع الزقورة الحالي 16 مترا ونصف المتر، لكن ارتفاعها القديم عند بنائها الأول كان 26 مترا ونصف المتر، ولم يتبقَ من الزقورة الآن سوى الطبقة الأولى، وأجزاء من الثانية، أما الثالثة فغير موجودة، إلى جانب المعبد العلوي أيضا الذي انهار بسبب عوامل التعرية.
وتوجد في الزقورة ومن كل جوانبها "فتحات" تسمى "العيون الدامعة" يراها السائح عندما يرفع عيونه للمشاهدة إلى الأعلى، وهذه الفتحات الشاقولية الممتدة لهيكل الزقورة الداخلي تستخدم لاستخراج مياه الأمطار وتصريفها عبر الأنابيب في وقتنا الحاضر، ويخرج ماء المطر كما تخرج الدموع من العيون.
سبب البناء
هناك عدة نظريات تفسر سبب بناء زقورة أور، لكنها تبقى مجرد تأويلات، بحسب ما يذكر الآثاري عبد الرزاق، منها ما يتعلق بكون السومريين عاشوا بالجبال في وقت سابق وخلال العصور الجليدية نزحوا إلى السهول ليبنوا الزقورة بهذا الشكل تأثرا بالحياة الجبلية، ومنها نظريات تتعلق بالخوف من الفيضانات، وبعضا كونها محطة استراحة الآلهة الرئيسة في مدينة أور (سن أو ننار) إله القمر حسب المعتقدات بالعراق القديم.
وقد اكتشف عالم الآثار البريطاني السير تشارلز ليوناردو الزقورة عندما جاء إلى العراق في بعثة تنقيبية، واكتشفت أطلالها عام 1918، وكانت أول وآخر صيانة لها عام 1962 برئاسة عالمي الآثار طه باقر وشاه محمد علي الصيواني، وبعد ذلك لم يتم إجراء أية عملية صيانة.
في يوليو/تموز 2016، تم إدراج مدينة أور الأثرية ومواقع أخرى بمحافظة ذي قار -إضافة للأهوار- إلى لائحة التراث العالمي، لكن لا توجد فيها مشاريع حقيقية وملموسة للسائحين القادمين إليها.
ويقول سعد البدري نائب رئيس لجنة السياحة والآثار في ذي قار إن الحكومة المحلية بالمحافظة تستعد لإقامة مشاريع مستقبلية بمدينة أور الأثرية لاستقطاب السياح، وتتمثل في دار استراحة ومتحف صغير بالقرب منها.
ويضيف أن هناك تنسيقا مستمرا ومشتركا بين الحكومة المحلية في ذي قار ووزارة الثقافة، وهناك مخصصات مالية من قبل الوزارة من أجل استكمال هذه المشاريع الحيوية، لجذب الزوار لهذه المدينة، وتشجيع حركة السياحة.
ومن المتوقع أن تشهد مدينة أور الأثرية -خلال المرحلة المقبلة- صيانة وتأهيلا للزقورة، وفق خطط وبرنامج خاص أدرجته وزارة الثقافة والسياحة على جدول أعمالها.
قبلة السياح
وتمثل مدينة أور الأثرية معلما مهما على مستوى العراق وتعد قبلة للسائحين القادمين إليها، لما تشتهر به من مواقع واكتشافات مهمة مثل القيثارة الذهبية وغيرها، علاوة على الزقورة، بالإضافة إلى المكانة الدينية لهذه المدينة كونها مولد النبي إبراهيم بحسب الكتب الدينية المسيحية، كما يؤكد ذلك المتخصص في الآثار بلال الموسوي.
ويطمح الموسوي بأن تكون الزقورة مثل أي معلم أثري مهم كالبتراء في الأردن أو الأهرامات في مصر كونها دخلت قائمة التراث العالمي مؤخرا لتنال مزيدا من الاهتمام والمتابعة من قبل الجهات المسؤولة.
وتعتبر الزقورة الآن هوية وأيقونة تاريخية وحضارية لبلاد وادي الرافدين ومَعلما أثريا وسياحيا، بحسب حديث الناشط والمهتم بمجال الآثار مهند رعد.
ودعا رعد الحكومة المركزية والمحلية إلى الاهتمام أكثر بالموقع كونه يعد موردا سياحيا واقتصاديا مهما، وضرورة إيجاد مرافق سياحية قرب الموقع، واستكمال بعثات التنقيب كون الموقع ما زال يحوي آثارا مهمة.
وليست الزقورة المكان الأثري الوحيد داخل مدينة أور، فهناك المقبرة الملكية التي تضم الملك شولكي ومعبد دب لال ماخ وبيت النبي إبراهيم عليه السلام، وأيضا بالمدينة بيت أنخدوانا (أول شاعرة بالتاريخ) وآثار أخرى مهمة لم تكتشف بعد.