تتويج رواية مكتوبة بالعامية.. طيف طه حسين ومستقبل الثقافة بمصر

عمران عبد الله
وفازت الكاتبة نادية كامل بأفضل عمل روائي بفرع كبار الأدباء عن عملها "المولودة" المكتوب باللغة العامية، مناصفة مع سحر الموجي صاحبة رواية "مسك التل".
في حين فازت في تصنيف الكتاب الشباب رواية "الفابريكة" للكاتب أحمد الملواني بالمركز الأول، كما فازت بالمركز الثاني رواية "قريبا من البهجة" للكاتب أحمد سمير.
ومع الإعلان عن الفائزين بجائزة ساويرس، تجدد الجدل حول اللغة العامية، التي كتبت بها رواية "المولودة" الفائزة بالمركز الأول وروايات أخرى كذلك كتبت باللهجة العامية المصرية أو بمزيج من العامية والفصحى.

العامية لغة الجائزة المصرية
ويتكرر الجدل حول أحقية الكتابة العامية بالحفاوة الأدبية مع كل فوز مماثل، ومع ذلك اعتبرت مؤسسات الثقافة المصرية الرسمية اللغة العامية لغة أدبية تستحق الحفاوة منذ زمن طويل، وشهدت الحياة الثقافية المصرية بروز شعراء عاميين مثل بيرم التونسي وصلاح جاهين وعبد الرحمن الأبنودي وأحمد فؤاد نجم وسيد حجاب وغيرهم ممن استقبلتهم النخب الثقافية المصرية بالحفاوة والتقدير.
وتبدو فكرة أحقية اللغة العامية في أن تكون لغة أدب كما هي لغة للغناء والسينما حاضرة لدى مثقفين مصريين يرون فيها عنواناً لثقافة محلية ووطنية مميزة، ومع ذلك كتبت روائع روايات الأدب المصري الحديث بلغة عربية فصيحة مثل روايات نجيب محفوظ الفائز بجائزة نوبل للآداب.
فهي لغة فصيحة مبسطة وسهلة وصفها عميد الأدب العربي طه حسين بأنها "لغة وسطى يفهمها كل قارئ لها مهما يكن حظه من الثقافة ويفهمها الأميون إن قُرِئت عليهم، وهي مع ذلك لغة فصيحة نقية لاعوج فيها ولا فساد، وقد تجري فيها الجملة العامية أحياناً حين لا يكون منها بد، فيحسن موقعها وتبلغ منك موقع الرضا".

مستقبل الثقافة في مصر
ودارت معركة فكرية كبيرة منذ نحو ثمانين عاماً، عندما حاول الأديب طه حسين في الجزء الأول من كتابه "مستقبل الثقافة في مصر" إثبات أن العقل المصري أقرب إلى العقل الأوروبي، وبالتالي العقلية اليونانية وليس العقل الشرقي.
وسعى طه حسين للتأكيد على أن مصر وإن كانت شرقية من الناحية الجغرافية فإنها غربية العقل، نظراً لاتصالها على مدار عدة قرون بحضارة البحر المتوسط ، ورأى أن مستقبل الثقافة فيها مرتبط ارتباطا قويا بماضيها البعيد، فلا يمكن فصل الثقافة المصرية القديمة عن مصر الحديثة، ولا فصل تاريخ مصر القبطية عن عصرنا الحديث.
هجوم طه حسين
لكن طه حسين مع ذلك تمسك باللغة العربية الفصيحة، وهاجم في أحد مقالاته دعاة العامية، مظهراً حرصه على الالتزام بقواعد اللغة وأساليبها الأدبية وعباراتها الفصيحة، ووصف الأدباء الشباب الذين يكتبون بالعامية بعبارات قاسية في كتابه "خصام ونقد"، قائلاً:

"إنهم أشقياء بفنهم، تعوزهم وسيلة الأداء، آثارهم أشبه بالجمال البارع يعرض في الأثواب الرثة المهلهلة التي تفسد جماله، وسبب ذلك خروجهم على ما ألف الناس من صور البيان، وإيثار الفصاحة على الركاكة، وحين أحسوا بالعجز ثاروا على اللغة نفسها ونصبوا لها حرباً، أقل ما توصف به أنها عقيم، لا تغني شيئاً، فليس من الحق في شيء أن اللغة العربية الفصحى قد ماتت، أو أشرفت على الموت- كما يزعم بعضهم- بل ليس من الحق أن قد أدركها ضعف أو فتور أو قصور، وآية ذلك أن الناس يعربون بها عن ذات أنفسهم حين يكتبون دون حرج، ويؤلفون الكتب، ويترجمون ما يؤلف غيرهم من الأجانب، وينشرون الصحف والمجلات والناس يقرأون ذلك دون أن يجدوا بأسا، وثمة أناس ينشرون الكتب القديمة التي كتبت بالفصحى، فيقرأها أصحاب الثقافة العميقة الواسعة، وأصحاب الثقافة المتوسطة الضيقة.. وليس هذا شأن اللغة التي ماتت، وإنما شأن اللغة التي ما زالت حيّة قادرة على الحياة."
وأضاف عميد الأدب العربي "إن أدباءنا الشباب يتطورون في خطأ حين يظنون أن العربية الفصحى لا يمكن أن تصح ولا أن تستقيم إلا إذا اتخذت ذلك الشكل القديم الذي يألفونه في شعر القدماء ونثرهم أثناء القرون الثلاثة أو الأربعة الأولى للهجرة".
وحتى الأغاني الشعبية المكتوبة بالعامية لم تسلم من هجوم عميد الأديب العربي طه حسين، إذ وصفها بأنها أغان حماسية، مخرجاً إياها من دائرة الأديب، ووصفها أي الأغاني والمسارح الشعبية العامية بأنها هذيان وسخف، مؤكداً -في حواره مع مجلة آخر ساعة في ديسمبر/كانون الأول 1956 أن دور الأديب هو "رفع الشعب إليه لا أن ينزل له"، منوهاً إلى مسرحيات فصيحة نالت إعجاب الجمهور مثل مجنون ليلى ومسرحيات عزيز أباظة.
ومثل طه حسين، انتقد الأديبان المصريين عباس العقاد ومصطفى صادق الرافعي الكتابة العامية، وهاجما الداعين إلى استخدامها.
وترى بعض دور النشر المصرية في الكتابة العامية فرصة للترويج وتحقيق الأرباح، في حين ترفض دور نشر أخرى روايات العامية، أو تقوم بإعادة تحريرها لتكون فصيحة مبسطة وبعيدة عن "اللهجات المحلية الخاصة"، التي تحصر انتشار الرواية على مستوى محلي فقط.