كيف استخدمت فرنسا سلاح العمارة لمواجهة الثورة الجزائرية؟

عمارة الثورة المضادة.. الجيش الفرنسي في الشمال الجزائري
غلاف كتاب "عمارة الثورة المضادة.. الجيش الفرنسي في الشمال الجزائري" (الجزيرة)
اندلعت ثورة التحرير الجزائرية (1954-1962) في وجه الاستعمار الفرنسي الذي بدأ في عام 1830، في وقت غيرت فيه الحكومة والجيش الفرنسيان البنية التحتية الجزائرية ذاتها باستخدام كل سلاح في ترسانتها للحفاظ على الحكم الاستعماري في "الجزائر الفرنسية".
ويناقش الكتاب -الذي صدرت حديثا نسخته الفرنسية بعنوان "عمارة الثورة المضادة.. الجيش الفرنسي في الشمال الجزائري"- الجانب الأقل شهرة من الحرب، وتعرض فيه الأكاديمية بقسم العمارة والفنون والتخطيط بجامعة كورنيل سامية حنّي وصفا حيا للإستراتيجيات المعمارية التي صممتها ونفذتها السلطات المدنية والعسكرية الفرنسية لإطالة وجودها الاستعماري والدفاع عن مصالحها السياسية والاقتصادية بالجزائر ضد المقاومة الجزائرية.
 وصول المارشال جاك لوي راندون للجزائر عام 1857 ليصبح حاكما عاما للبلاد(مواقع التواصل)
وصول المارشال جاك لوي راندون للجزائر عام 1857 ليصبح حاكما عاما للبلاد(مواقع التواصل)

وتركز المؤلفة على مجالات دراسة الاستعمار الأوروبي والنزوح وسياسات وتدابير السلطات الاستعمارية "المعادية للثورة"، وأبرزها إعادة التوطين القسري الهائلة للمزارعين الجزائريين وبرامج الإسكان الجماعي المعروفة باسم "مشروع قسنطينة" ضمن خطة الجنرال شارل ديغول لمواجهة جبهة التحرير الجزائرية، وتتناول المدينة الإدارية الجديدة المحصنة التي خصصت لحماية الموظفين الفرنسيين خلال الأشهر الأخيرة من الثورة الجزائرية.

ويحاول الكتاب دراسة الممارسات الاستعمارية المتمثلة في السيطرة والهيمنة من خلال الوسائل القانونية والعمليات العسكرية والوحدات السكنية ويسلط الضوء على الأدوار التي لعبها مختلف الضباط والفنيين والمهندسين المعماريين والمخططين وعلماء الأعراق.

إعادة تنظيم
أعادت السلطات المدنية والعسكرية الاستعمارية الفرنسية على مدار الثورة الجزائرية تنظيم الأراضي الجزائرية الشاسعة خلال ما عرف بأنه "أطول وجود استعماري لفرنسا في شمال أفريقيا".

وجرى بسرعة تشييد البنية التحتية الجديدة التي ضمت مستوطنات في جميع أنحاء البلاد (تسميها الكاتبة بنية الثورة المضادة)، وبالإضافة للدمار الذي خلفته الحرب، سن النظام الاستعماري عددا من القوانين والأوامر والتوجيهات لإخلاء مناطق معينة وبناء مساحات ومستوطنات جديدة تسمح له بالسيطرة الصارمة على الشعب الجزائري وحماية السكان الأوروبيين الذين يعيشون في الجزائر.

وكان الترحيل القسري للمدنيين وبناء المستوطنات في المناطق الريفية والحضرية عاملا رئيسيا في عزل السكان الجزائريين عن تأثير مقاتلي جبهة التحرير، وساهم في عرقلة نضال الاستقلال.

ويكشف الكتاب عن المعاني السياسية والاجتماعية والاقتصادية الكامنة خلف حزمة القوانين والخرائط المرسومة للمباني والبنية التحتية والملاجئ التي شيدتها السلطات الاستعمارية.

الجزائر الفرنسية
اعتبرت الجزائر أراضي فرنسية ومنطقة عسكرية تدار من العاصمة باريس، ومع ذلك لم تكن الحرب الثورية فقط بين السلطات الاستعمارية العسكرية وجبهة التحرير الجزائرية فحسب، وإنما بين التيارات السياسية الفرنسية نفسها والتكتلات العالمية الشرقية والغربية وحتى بين النخبة الجزائرية نفسها.

ويتكون الكتاب من فصول تغطي السياسات العسكرية والتخطيط من زاوية سياسات "الثورة المضادة المعمارية" التي يمكن بقراءتها فهم سيكولوجية الاستعمار الفرنسي للجزائر خلال حرب الاستقلال، ويركز على الشخصية العسكرية التي صنعتها السلطات الفرنسية والإستراتيجيات التي اتبعتها وآثارها الاجتماعية والاقتصادية.

مشروع قسنطينة
تدرس المؤلفة -التي ولدت في الجزائر العاصمة- في الجزء الثاني من الكتاب بعنوان "الإسكان في خطة الجنرال ديغول" طبيعة المباني التي أطلق بها الرئيس الفرنسي شارل ديغول خطته للتنمية الاجتماعية والاقتصادية المسماة "مشروع قسنطينة"، وتضمنت بناء وحدات سكنية لمليون شخص.

ويستشف الكتاب كذلك خلفيات بناء مدينة إدارية بديلة على بعد 50 كيلومترا شرق الجزائر العاصمة على مقربة من قاعدة عسكرية فرنسية والمطار والبحر الأبيض المتوسط، وصمم المخطط لحماية موظفي الإدارة الاستعمارية وعائلاتهم من عمليات المجموعة شبه العسكرية الفرنسية المعروفة باسم "منظمة الجيش السري".

وقامت هذه المنظمة المكونة من عناصر فرنسية متطرفة بأعمال مسلحة استهدفت الجزائريين بتفجيرات دموية وحرقت مراكز مدنية، مثل مكتبة جامعة الجزائر ومدارس ومستشفيات، وتمردت على سياسات ديغول رافضة حق تقرير المصير للجزائريين ورفعت شعار "الجزائر فرنسية وستبقى فرنسية".

المصدر : الجزيرة