أكبر هجرة قسرية في التاريخ.. أرشيف رقمي لرحلات العبيد
تستكشف قاعدة بيانات متاحة حاليا على الإنترنت ما يقرب من 36 ألف رحلة للعبيد والرقيق بين أفريقيا والأميركيتين بين عامي 1500 و1866.
أجبر تجار الرقيق 12.5 مليون أفريقي على ركوب سفن الرقيق التي تعبر المحيط الأطلسي، وقبل عام 1820م كان هناك أربعة أفارقة مستعبَدون يعبرون المحيط الأطلسي مقابل كل أوروبي، جاعلين أفريقيا المنبع الديموغرافي الأبرز لاستيطان الأميركيتين بعد رحلات كولومبوس.
واستخدمت في تجارة الرقيق كل المنافذ والموانئ البحرية للمحيط الأطلنطي من كوبنهاغن إلى كيب تاون ومن بوسطن إلى بوينس آيرس على الساحل الغربي للقارة الأفريقية والساحل الشرقي للأميركيتين، وأعد القائمون على المشروع الذي ترعاه جامعة إيموري الأميركية هذا الفيديو بتقنية الرسوم ثلاثية الأبعاد لشرح واحدة من الرحلات الكثيرة عبر المحيط.
ولتوثيق هذه التجارة الضخمة للبشر -أكبر هجرة محيطية قسرية في تاريخ البشرية- أطلق فريق من الباحثين مشروع "رحلات: قاعدة بيانات تجارة الرقيق عبر المحيط الأطلسي"، وهو مورد متاح عبر الإنترنت يتيح للزائرين مجانا البحث في المعلومات وتحليل مجمل الرحلات، ويؤدي النقر فوق رحلة بعينها مدرجة في الموقع إلى فتح ملفات التعريف التفصيلية التي تساعد في سرد قصة تلك الرحلة على وجه الخصوص.
وطور الفريق ميزة الرسوم المتحركة لتساعد في زيادة التركيز على النطاق المرعب ومدة الرحلات، كما يسمح التطبيق للزوار بالمساهمة ببيانات جديدة، وتسهم البيانات بالإجابة عن أسئلة من قبيل من أي منفذ بدأت الرحلة؟ وكم عدد المستعبدين الذين لقوا حتفهم خلال عبور المحيط؟ وأين انتهى هؤلاء الأفارقة المستعبَدون في العالم الجديد ليبدؤوا حياتهم عبيدا في الأميركيتين؟
وأحدثت البيانات ثورة في الدراسات الخاصة بتجارة الرقيق ووفرت الأساس لرؤى جديدة حول تجربة الأشخاص المستعبدين ومقاومة آسريهم، كما أكدت الروابط المميزة عبر الأطلنطي التي عززتها التجارة.
صعوبات وتحديات
ويثير هذا العمل الرقمي أسئلة حول أكبر صفقات تجارة الرقيق في التاريخ ويوفر إمكانية الوصول إلى الوثائق المتاحة عن الحقبة التي التفت فيها المستعمرون الأوروبيون إلى أفريقيا بحثا عن العمال المستعبدين لبناء المدن واستخراج موارد الأميركيتين.
وأجبر تجار العبيد المسلحون الملايين من الأفارقة -الذين لم يكشف عن هويتهم- على العبور عبر المحيط الأطلسي إلى الأميركيتين، ومن جزء من الأميركيتين إلى آخر، ويضم المشروع الرقمي بيانات عن صفقات بيع العبيد وخرائط تفاعلية وجداول زمنية ورسوما متحركة لمسارات العبيد للأميركيتين ومن السواحل للمستوطنات والمدن والمزارع في العالم الجديد.
وتحدث القائمون على المشروع عن الصعوبات التي واجهوها لبناء قاعدة البيانات بما في ذلك صعوبة الجمع بين المصادر، والسجلات المكتوبة بلغات مختلفة، والأرشيفات الموزعة بين البلدان، وصعوبة الوصول للسجلات، وحتى البيانات المضللة التي قصد منها إخفاء الحقائق أو تضليل السلطات خاصة بعد المنع القانوني لتجارة العبيد منذ عام 1814.
ومع ذلك فإن الأرقام نفسها لا تكفي لفهم أكبر هجرة قسرية في التاريخ، ولكن ميزة المشروع الرقمي هي أنه يفتح الباب أمام تحويل المستخدمين والباحثين إلى مؤرخين، لتتبع الرحلات وتحليل الأنماط والثقافات، ودراسة معدلات البقاء على قيد الحياة ونسب العبيد وبلدانهم وجنسهم، ودراسة حوادث التمرد على السفن وغيرها.
الحياة بين عالمين
وقال الأكاديمي ديفد التيس -الذي عمل أستاذا فخريا للتاريخ بجامعة إيموري الأميركية- ويعمل بالمشروع أنه من الصعب في الزمن الحالي تصديق أنه قبل ما يزيد قليلا على قرنين من الزمان كانت سفن العبيد تصور وجها قاسيا من العلاقة بين العالمين الغربي وغير الغربي، إذ شكل العبيد أهم سبب للاتصال بين الأوروبيين والأفارقة آنذاك.
وأضاف التيس أنه عندما استعمر الأوروبيون الأميركيتين، هاجرت دفعات من سكان الشعوب الأوروبية إلى الأميركيتين بين 1492 وأوائل القرن التاسع عشر، ولكن ما يتم تجاهله في كثير من الأحيان هو أنه قبل عام 1820 ربما كان عدد الأفارقة المستعبدين المهاجرين قسرا عبر المحيط الأطلسي ثلاثة أضعاف الأوروبيين.
ووفرت هذه الهجرة القسرية للأميركيتين قوة عاملة حاسمة في تنميتهما الاقتصادية، وبالتالي فإن تجارة الرقيق هي جزء أساسي من تاريخ ملايين الأفارقة الذين ساعدوا في تشكيل الأميركيتين الحاليتين ثقافيا وكذلك بالمعنى المادي.
وتحتوي قاعدة البيانات آلافا من أسماء مالكي السفن والقباطنة لكنها لا تحتوي على أي أسماء لملايين العبيد الذين جرى نقلهم.
وتسهم دراسة رحلات العبيد في فهم التغير الثقافي والديموغرافي والاقتصادي حول المحيط الأطلنطي من أواخر القرن السادس عشر وحتى منتصف القرن التاسع عشر، كما تمكننا من دراسة العلاقات بين الرقيق والحروب في كل من أفريقيا وأوروبا، وكذلك عدم الاستقرار السياسي والتغير المناخي والإيكولوجي وقضايا أخرى، بحسب التيس.