المكتبة المتنقلة ببغداد.. أن تحمل الأمل

ليث ناطق-بغداد
راكبا سيارته المكتبة، يجوب علي الموسوي شوارع العاصمة العراقية بغداد، حاملا معه مئات الكتب، على أمل ترويج تجربته. مكتبة فيها كتب متنوعة، تعلو ظهر سيارة نقل صغيرة، تظهر الكتب على جانبيها مرصوصةً بإتقان.
في حين تعود العراقيون على رؤية متجولين يبيعون سلعا أو يجمعون ما لا ينتفع منه البيت العراقي، يحاول الموسوي كسر هذا النمط والتجوّل بسلعة تتجاوز قيمتها النقود.
ليس الكسب المادي دافع الموسوي لامتهان بيع الكتب، فسوق الكتب يعاني كسادا دائما، لكن محبي القراءة معتادون على الإبحار إلى سواحل المعرفة.
"لا يدرُّ بيع الكتب مردودا ماديا كافيا، لكنني امتهنها لحبي الكبير للكتاب، وأملي أن يتجه الجميع إليه، فالقراءة هي السفينة التي تنقذ أي مجتمع من الغرق"، حسب قول الموسوي للجزيرة نت.

مبدأ الصدمة
يستند الموسوي في ابتكاره فكرة المكتبة المتنقلة إلى مبدأ الصدمة، ويشير إلى أنه استغرق وقتا طويلا في التفكير بطريقة تلفت نظر الشارع، وتوصل إلى فكرة أن تتجول المكتبة في الشارع وتصل بنفسها إلى الناس، ولا تنتظرهم.
ويرى أن فكرته حققت نجاحها الذي كان يرجوه؛ فيقول "أعتبر مشروع المكتبة ناجحا لأنها دائما تجمع الناس حولها، حتى في المناطق الفقيرة أو النائية، حيث يتجمع الناس ليعرفوا على الأقل ما هذه السيارة العجيبة".
ويأمل الشاب العشريني أن تستنسخ تجربته في مختلف المحافظات العراقية، رغم أن المكتبة -حسب قوله- مكلفة.
ويرى الشاعر والكاتب العراقي حمدان طاهر المالكي أن تجربة المكتبة المتنقلة وسيلة جيدة لترويج الكتاب، شريطة تسليط الضوء عليها، فيقول للجزيرة نت "نحن نحتاج لعدة مكتبات متنقلة، وربما نحتاج إلى مئات منها، لكي نستطيع أن نلفت الانتباه للقراءة الواعية بمختلف مستوياتها وأذواقها".
قطع الأجنحة
يشكو الموسوي انعدام الاهتمام الحكومي، إلا على نطاق ضيق، فللموسم الثاني على التوالي لم يسمح لمكتبته بالمشاركة في معرض بغداد الدولي للكتاب، ويصف ذلك بالفعل المجحف، ويقول إن إدارة المعرض وصفت مكتبته بعربة "لبلبي" (أي سيارة لبيع أكلة شعبية) في إهانة غير مبررة.
لكن الموسوي الذي صنع مكتبته بنفسه بمساعدة أخيه وأصدقائه، لا يعرف اليأس فيقول "لن تتوقف مكتبتي عن التجوال، مهما كان العائق سأتجاوزه وأصل بالكتاب إلى كل من يريد القراءة".
يشدد الكاتب والباحث في الشؤون الاجتماعية واثق صادق على أهمية دعم ما أسماها "الظواهر الصحية" كظاهرة المكتبة المتنقلة قائلا للجزيرة نت "من المؤمل أن تعطي ظاهرة كهذه ثمارا إيجابية تنعكس بالشكل المطلوب على عموم نواحي الحياة، فعلى المعنيين دعمها وليس التضييق عليها أو منعها أو حرمانها من المشاركة في تظاهرات ثقافية كمعرض الكتاب".

أمل يتجول
وسط فوضى الشوارع وزحمتها المرورية الخانقة، قد يظهر ضوء الأمل في كل مكان مع ظهور المكتبة المتجولة، ويركنها الموسوي في إحدى الساحات أو على جانب أحد الشوارع، فيعطي الإشارة بذلك لتجمع الناس، حتى وإن لم تكن لهم تجربة مع الكتاب، إذ يجذبهم تصميم المكتبة السيارة، وقد يكون ذلك في النهار أو المساء، في النهاية يبحث الإنسان عن الأمل أينما حل، وكيفما كانت هيئته.
يقول سامر محمد وهو يتصفح كتب المكتبة ليختار عنوانا يشتريه "لم يكن في خططي عندما خرجت من البيت أن أشتري كتابا، لكن هذه المكتبة العجيبة سحبت خطواتي تجاهها".
ويضيف للجزيرة نت أنه يحاول تكوين علاقة بين طفله والكتاب، فاختار أولا كتاب قصص أطفال من التي تعرضها المكتبة.
أما الشابة نور فترى أن هذه المكتبة بمثابة "أمل جوال"، وتؤيدها صديقتُها فرح، التي جاءت معها لشراء الكتب قائلة إنها لم تفقد الأمل يوما بأن يعيد المجتمع العراقي عافيته، رغم كل ما تعرض له من حروب ونكبات، وشبّهت المكتبة والتجارب الأخرى الشبيهة بالأقمار التي تضيء ليل الجهل.
وتضيف "أحب القراءة منذ صغري، وفي بيت الأسرة مكتبة كبيرة، لكنني لا أتردد في شراء كتب أخرى، على الأقل لدعم مشروع البائع وإدامته".