"أعط كتابا.. تحرر سجينا".. نوافذ من نور العلم بالسجون المغربية
الجزيرة نت-الرباط
بدورها شاركت ليلى العابدي (صحفية) في حملة "أعط كتابا.. تحرر سجينا"، وبعد أن تبرعت بمجموعة مهمة من الكتب، وتطوعت لتسلم الكتب من المتبرعين، تساهم ليلى في الحملة مندوبة عن مدينة الرباط، إلى جانب حوالي خمسين متطوعا ومنتدبا، موزعين على أكثر من 30 مدينة، في جمع وفرز الكتب وتصنيفها.
حملة ملهمة
تقول ليلى للجزيرة نت إنها اعتبرت المبادرة "ملهمة تفترض في أي مخطئ كان احتمال العودة للعطاء بالمجتمع بشكل أفضل"، وتضيف أن كون مطلق المبادرة كان سجينا سياسيا سابقا، أقنعها بجدوى المبادرة أكثر، ولاقتناعها بأن السجين يستطيع عبر الكتاب تغيير نظرته للعالم وتطوير مهاراته.
وأطلق الحملة الصحفي المغربي مصطفى الحسناوي صاحب كتاب "سجون وأشجان.. حكايات من وراء القضبان"، لتصبح حملة شبابية تنتشر بين مختلف فئات المجتمع، شاركت فيها مكتبات بأعداد كتب مهمة، وعرفت اهتماما كبيرا من قبل وسائل الإعلام المحلية ومنابر دولية، واعتبرت فريدة من نوعها.
نافذة من نور العلم
يقول الحسناوي في حديث للجزيرة نت، بصوت لم يخف الوجع رغم محاولته ذلك، إن "الكتاب داخل السجن مثل نافدة من نور، يستنشق منها السجين عبق الحرية، حين يقفل عليه باب الزنزانة..".
ويضيف أن الكتاب بالسجن لا يخفف فقط من العزلة، بل هو مدخل من مداخل الإصلاح، يهذب الذوق ويفتح الآفاق. وتحدث الحسناوي عن علاقته بالكتاب حين كان سجينا وكيف كان يساعده، بالإضافة إلى الاستفادة التي يوفرها في تكسير الرتابة وتحقيق الأنس.
وإذا كانت القراءة تشكل الوعي عموما، فإن أثر الكتاب على السجين أكثر من أثره خارج السجن، بحسب تجربة الحسناوي وغيره ممن شكلت يومياتهم بالسجن ومعاناتهم به إلهاما طوروه فيما بعد إلى كتب وروايات.
وعن فكرة الحملة، يقول الحسناوي إنها راودته بين قضبان السجن منذ ثلاث سنوات، وبقي يؤجلها إلى أن اتصل به سجين مؤخرا يطلب منه أن يشتري له كتبا ويرسلها له مع عائلته، فانتعشت الفكرة لديه من جديد وعمل بمساعدة عدد من المتطوعين على تحقيقها. ويوضح الحسناوي أن هناك سجونا فيها مكتبات وفيها كتبا متنوعة، بينما تخلو سجون أخرى من أي كتاب.
ويخضع إدخال الكتب للسجن لضوابط صارمة. ويعتزم رواد المبادرة إدخال الكتب للسجن بالتنسيق مع مندوبية السجون، وفي احترام تام للقوانين والمعايير التي تعتمدها المندوبية بخصوص الكتب المسموح بإدخالها للمؤسسات السجنية.
وتطمح المبادرة أن تتطور لنسخ مقبلة لتتمكن من تغطية جميع السجون. فهل تسهم الكتب المتبرع بها اليوم في تعزيز أدب السجون وإثرائه فيما سيأتي من الأيام؟ وهل تفتح روايات وأشعار وكتب علوم محكمة نوافذ نور في عقول السجناء؟
إشعاع من قلب السجون
نماذج السجناء الذين حققوا نجاحات أكاديمية ومهنية في المغرب كثيرة، وتضع المندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج في المغرب برنامجا تعليميا لفائدة السجناء، يتيح لهم متابعة دروسهم وتحفِّز المتفوقين منهم من خلال تنظيم حفلات ومنح جوائز للحاصلين على درجات عالية في شهادة البكالوريا (الثانوية العامة) أو الإجازة الجامعية (البكالوريوس) وكذلك في التخصصات المهنية المختلفة.
من بين الشخصيات التي تفوقت داخل السجون جمال بن عمر الذي كان مبعوثا خاصا للأمين العام للأمم المتحدة إلى اليمن، والراحل إدريس بنزكري الذي ترأس المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان، ومحمد حقيقي وهو ممثّل الرابطة العالمية لحقوق الإنسان حاليا.
كتابات سجنية
انبعثت من خلف القضبان كتب وروايات عديدة، منها ما كتب خلال مدد السجن، ومنها ما كتب بعدها، ومنها ما اتخذ من مدة من مدد السجون المغربية (سنوات الرصاص مثلا) مادة مرجعية في إبداعات سينمائية وروائية. بالإضافة إلى كتابات أقرباء المعتقلين وحكيهم عن التعذيب، والإبداعات التي كانت لها صلة بالسجن عبر الثورة ضد التعذيب وإذلال المعتقلين.
أغلب الكتابات شهادات حقيقية استمدت مضامينها الأساسية من تجربة فعلية عاشها أفراد في السجون والمعتقلات السرية أو مخافر الشرطة.
وبلغ الإنتاج الأدبي والإبداعي المرتبط بغياهب السجون أوجه مع كتاب "تازمامرت الزنزانة رقم 10" الذي قدم فيه أحمد المرزوقي شهادة مؤلمة وقاسية عن ثماني عشرة سنة قضاها معتقلا في سجن رهيب لم يكن يعرف بوجوده أحد.