سعودية تروي تشكيليا هموم النساء بمجتمعها
تشكل حقوق المرأة السعودية المادة الخام للفنانة منال الضويان، رغم عدم اهتمامها بتناول السياسة في أعمالها الفنية، بل ينبع ذلك من حرصها على تسليط الضوء على المرأة في المجتمع السعودي.
وتناضل الضويان (45 عاما) من أجل حصول النساء على أمور بسيطة، مثل حقهن في مناداتهن بأسمائهن، وهي المبادرة التي أطلقتها عام 2012 ولاقت ردود فعل واسعة، وتدعو من خلالها النساء لكتابة أسمائهن على كرات خشبية، حولتها بعد ذلك لمسبحة ضخمة.
وتقول الفنانة السعودية إن "المجتمع السعودي محافظ إلى حد أنه في بعض الأحيان يكون هناك حرج من ذكر النساء لأسمائهن علنا"، مشيرة إلى أنه جرت العادة على مناداة الأم باسم أكبر أبنائها من الذكور.
وقد تجاوزت مبادرة "اسمي" حدود الفن التشكيلي، لتكون جزءا أساسيا من ندوات واجتماعات مائدة مستديرة شاركت بها العديد من النساء؛ سعيا للكشف عن أسمائهن، لتكتسب الحركة صدى عالميا أيضا.
يذكر أنه قبل عام من مبادرة "اسمي"، كانت منال قد أطلقت دعوة للمرأة السعودية لكي ترسل لها مختلف أنواع التصاريح التي يتعين عليهن أن يطلبنها، سواء للعمل أو السفر أو الحق في التنقل أو عمل أي شيء.
ولاقت الدعوة استجابة من مئتي امرأة، لتقوم الفنانة السعودية بدمج هذه الطلبات في عمل تشكيلي على شكل مجموعة من الحمام لا يستطيع التحليق في الجو، يحمل عنوان "في الهوا سوا"، وتم عرض العمل في إسبانيا باستضافة من مؤسسة "سانتاندر".
وفي "شجرة الحراس" (2014) تستعيد الضويان شجر العائلات، في محاولة لإنقاذ هويات نسائية لم يتم توثيقها في البلاد، متسائلة: "متى تختفي النساء من الذاكرة؟"
إلا أن إحدى السمات المميزة لنشاطها النسوي يكمن في عملها بعيدا عن الأحكام المسبقة للغرب، حيث تؤكد أنها تشوه الكثير من النضالات الاجتماعية، ومن داخل نظام لم يمارس عليها مطلقا أي رقابة، مبرزة في هذا السياق دور دعم والدها الحيوي في الاستمرار بممارسة نشاطها.
مناهج وطرائق
يصنف النقاد الضويان على أنها فنانة متعددة المناهج والطرائق بامتياز، حيث قدمت أعمالا فنية مرئية ومسموعة وأعمالا نحتية وتصويرا فوتوغرافيا بالأبيض والأسود، بالإضافة إلى أعمال تركيبية وغيرها من المشارع الفنية التي طافت بها جميع أنحاء العالم، وبصفة خاصة الولايات المتحدة وبريطانيا وكندا وإسبانيا، فضلا عن جميع دول الخليج.
وبدأت الفنانة السعودية مشوارها الفني عندما دعتها تاجرة أعمال فنية إسبانية لتجربة معايشة فنية في لندن، وقد تمكنت من تحقيق ذلك بفضل ضربة حظ وتوافر الكثير من الظروف الإيجابية، من بينها أنها كانت تمارس الفنون قبل وقت طويل من حالة الفوران التي شهدتها بعد ذلك منطقة الخليج.
وتوضح الفنانة السعودية قائلة "كنت أمارس الفن قبل ظهور المتاحف وقاعات العرض في بلادي، ثم بدأت تظهر المتاحف والمعارض بقوة في دبي، حيث بدأت تهبط علينا دور المزادات وأقيم لأول مرة بينالي الشارقة الفني الذي اجتذب مرممين ومصورين ومديري متاحف من جميع أنحاء العالم. تم هذا بدون توجيه من أحد، ولم تكن لدي في منطقة الخليج مرجعية فنية أسير على خطاها، ولم يكن هناك سواي أنا ومشاعري وقراراتي النابعة من ذاتي".
أما عن مجال نشاطها النسوي، فتؤكد أنها لم تتمعن في الأمر بصورة معمقة إلا قبل بضع سنوات من انطلاقها، حيث أدركت أنه في مجتمع لا تحظى فيه النساء بحرية حركة، كانت هي على العكس ماضية في طريقها، وبينما لم يكن للنساء صوت كان صوتها يهدر عاليا.
كما تضيف "ربما لا يتناسب هذا النشاط مع ما يعنيه في إسبانيا أو الغرب. الفنانون مراقبون بروايات مختلفة عن المنطقة التي يعيشون فيها.. الفن يخلق مساحة للحديث والتأمل".
وفي عملية التوثيق حول المرأة التي تحارب تجنبا لسقوطها في زوايا النسيان، تأمل الضويان أن تصبح تصاريح السفر أو القيادة جزءا من التاريخ. "ستكبر بنات شقيقاتي وسوف أخبرهن: هل تتذكرن أننا كنا نعيش في بلد لا تستطيع النساء فيه قيادة السيارات؟"
واعتبارا من 24 من يونيو/حزيران الجاري، أصبح مسموحا للنساء القيادة بأنفسهن في شوارع المملكة العربية السعودية، وذلك في إطار سلسلة من إجراءات التغيير والانفتاح الاجتماعي التي يتبناها ولي العهد محمد بن سلمان، وشملت افتتاح دور السينما وإقامة حفلات موسيقية، ورفع الالتزام الإجباري المفروض على النساء بارتداء النقاب.
وإزاء الشكوك حول إذا كان هذا سيسهم حقيقة في تحسين وضع المرأة في مجتمع محافظ، تعرب الضويان عن تفاؤلها الكبير؛ "مجرد وجود رغبة في التغيير تعد إشارة جيدة".