مصر.. توجس من نوايا ملاحقة "الفحش" بدراما رمضان

مع تزايد الجدل بشأن قرار المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام في مصر وضع معايير لمنع "خدش الحياء" وضبط الأعمال الدرامية في رمضان تضمن فرض غرامات على مخالفيها أكد المجلس مساعيه بإعلانه تدشين مرصد لمتابعة الدراما والبرامج خلال رمضان ورصد ما فيها من تجاوزات.
وحسب تصريحات أمين عام المجلس أحمد سليم، فإن المرصد سيكون على تواصل مستمر مع المجلس القومي لحقوق الإنسان والمجلس القومي للمرأة ودار الإفتاء والأزهر الشريف، لمتابعة ما قد يحدث من تجاوزات في الدراما والبرامج الرمضانية للمعايير المتفق عليها ومحاسبة أصحابها.
وكان رئيس المجلس مكرم محمد أحمد قد أعلن منذ أيام أن المجلس فرض غرامة قدرها 250 ألف جنيه (14 ألف دولار) ضمن عدد من المعايير لمنع الألفاظ الخادشة للحياء بالأعمال الدرامية الرمضانية لهذا العام، وجاء ذلك متزامنا مع مساع برلمانية لوضع "كود أخلاقي" ملزم لصناع الدراما خلال الفترة المقبلة.
وقال مكرم خلال كلمة له في اجتماع لجنة الإعلام والثقافة والآثار بالبرلمان التي انعقدت لمناقشة معايير الدراما "عشنا ثماني سنوات (منذ ثورة يناير) من الفوضى.. لا حدود ولا قيم ولا التزام بأي شيء، نحن لا نخاف ومستمرون إذا ساعدتمونا (البرلمان)".
وتتضمن المعايير المعلنة 24 بندا يجب مراعاتها حتى لا يتعرض العمل للغرامة، منها عدم اللجوء إلى الألفاظ البذيئة، والتوقف عن تمجيد الجريمة وصناعة أبطال وهميين في مقابل الدعوة لتمجيد أدوار رجال الجيش والشرطة "البطولية".
وخلال الأعوام الماضية أثار تزايد رصد ألفاظ وعبارات خارجة وإيحاءات جنسية ومشاهد عري واغتصاب في المسلسلات التي أنتجت منذ الثورة ومنها مسلسلات رمضانية استياء شرائح واسعة من المصريين وحررت محاضر ضد عدد منها، مثل مسلسلي "الحرباية" لهيفاء وهبي، و"خلصانة بشياكة" لأحمد مكي.

دور الرقابة
وفي تعليقه على الأمر تساءل المنتج جمال العدل في تصريحات صحفية عن المعنى المقصود للفظ "فاحش"، حيث رأى أنه لا بد من سرد قائمة بتلك الألفاظ، مشددا على أنه لم يكن هناك ما يستدعي هذا القرار من الأساس لما تقوم به الرقابة العامة والمصنفات من تقييم للأعمال قبل عرضها.
وكانت الهيئة العامة للرقابة على المصنفات الفنية قد منعت عرض عدد من الأفلام السينمائية في السنوات الأخيرة لأسباب مختلفة، ومنها ما منع لأسباب سياسية مثل فيلم "اشتباك".
أما الفنان المصري وجدي العربي فقد اعتبر هذه المعايير والضوابط ليست أكثر من "دعاية مزيفة" لتجميل صورة المرحلة الحالية والنظام القائم عليها، ومغازلة لمشاعر الشعب المصري الذي تعلي شريحة واسعة منه من قيمة الأخلاق والمبادئ، وربما يترك تناول هذا الجانب أثرا إيجابيا لديه.
غير أنه يرى في حديثه للجزيرة نت أن هذه المحاولات لن تنطلي على المصريين، ذاهبا إلى أن مصدرها أجهزة المخابرات التي تعمل بشتى الطرق على تحسين صورة النظام التي تتزايد سوءا بسبب الأوضاع المتردية في البلاد، وأن الهدف الأساسي هو منع أي نقد ولو غير مباشر للسلطات الحالية.
وأشار إلى أنه في الوقت الذي يتحدثون فيه عن القيم ومحاربة "خدش الحياء" يدعون المجال لإحدى الراقصات المشهورات لتعلن عن عزمها تقديم برنامج ديني في رمضان تحت اسم "لا حياء في العلم، لا حياء في الدين" وتروج له بأسلوب مبتذل، معتبرا المسؤولين عن هذه اللجنة "نموذجا" لمن يخالف القيم ويخدش الحياء.
وكان مكرم قد تلفظ في مؤتمر صحفي أذيع مباشرة بوصف خارج حين قال إن "جماعة الإخوان انتهت، وفكرها لا يمكن أن يصلح للغد، وهي على وشك الانتهاء وتلفظ أنفاسها الأخيرة، ومع ذلك يطلع شوية (اللفظ البذيء) ويقولولك نتصالح".

بطولة مصطنعة
بدروه، اعتبر الناقد والسيناريست إمام الليثي هذه الخطوة "بروباغندا" تهدف للتغطية على رداءة المنتج الإعلامي المقدم، ومحاولة اصطناع بطولة للمجلس الأعلى للإعلام، مستبعدا إمكانية تنفيذ هذه المعايير، وفرض الغرامة المذكورة على منتجي المسلسلات الرمضانية.
ومع تأكيده على فشل فرض هذه المعايير إلا أن الليثي في حديثه للجزيرة نت رأى أن البند المقصود بشكل فعلي من وراء الإعلان عنها هو بند تمجيد الجيش والشرطة وزعم البطولة والشهامة لهذين الجهازين، خاصة بعد أن وصلت سمعتهما للحضيض بسبب ممارساتهما خلال الآونة الأخيرة.
كما يرى أن من أهداف هذه المواد زيادة مساحة التضييق والاستهداف للقنوات التي تبث من خارج مصر لمعارضة النظام القائم باستغلال بنود العقوبات والمحظورات الموجودة، وتبرير وضع أسماء لمقدمي برامج ومديري القنوات المعارضة في قضايا أمام المحاكم تحت زعم مخالفة المعايير المذكورة.
أما الناقد والمخرج السينمائي عز الدين دويدار فيعتبر فرض هذه المعايير استخداما لمطية الأخلاق بشرعنة أداة رقابة غير محدودة على الدراما التلفزيونية، حيث لا إطار يحدد المباح من غيره وإنما يخضع الأمر لتقدير الرقيب، ذاهبا إلى أن الهدف هو توجيه ما تتناوله الدراما لخدمة النظام وحصار أي توجهات أخرى.
ورأى في حديثه للجزيرة نت أن فرض هذه المعايير يعكس حاجة النظام لما هو أكثر من إنتاج وتمويل بعض الأعمال الدرامية كإنتاجه العام الماضي مسلسلي "الزيبق" و"كلبش"، وإنتاجه هذا العام مسلسلات مثل "نسر الصعيد"، حيث لم يعد يرضيه إلا تسخير الدراما كلها لمصالحه فلا مساحة لأي قدر من الاستقلال.
وشكل الرئيس عبد الفتاح السيسي المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام ليكون "السلطة المختصة في مصر بحماية الرأي والفكر والتعبير وضمان استقلال الإعلام طبقا لنصوص الدستور والقانون، ويتولى منح تراخيص العمل الإعلامي ووضع المعايير وتقييم الأداء" حسب الموقع الرسمي للمجلس.