معرض "رشيد كرامي" في لبنان.. حلم ضائع
ديما شريف-طرابلس
حين وضعت مخططات بناء معرض رشيد كرامي الدولي في ستينيات القرن الماضي كانت مدينة طرابلس التي اختيرت لاستضافته عاصمة حقيقية ثانية للبنان، وكانت المدينة تعيش عصرها الذهبي، ويربطها ببيروت خط سكك حديدية، ومرفأها البحري ناشط، مع مشاريع لتشغيل مطار القليعات المجاور.
بدأ تنفيذ العمل عام 1964، ولكنه لم ينته حتى 1975 حين اندلعت الحرب الأهلية.
كان وراء مشروع المعرض رئيس الجمهورية الراحل فؤاد شهاب الذي أراد للبنان معرضاً دائماً على غرار الدول المتقدمة، واختيرت قطعة أرض في ضواحي طرابلس كونها ثانية أكبر المدن في البلاد.
مساحة المعرض حوالي مليوني متر مربع، عليها ما يقارب 120 ألف متر مربع من المساحات المبنية، بينها مسرح مكشوف تحيط به بركة يمكن ملؤها بالمياه ليصبح المسرح عائماً، إضافة لقاعة معارض، ومسرح تجريبي، ومتحف فضاء، وبيت للضيافة، ومبان مخصصة لسكن الموظفين المفترضين لإدارة المعرض حينها.
ومع انتهاء بناء المعرض -الذي يعتبر من التحف المعمارية للمهندس البرازيلي الشهير أوسكار نيماير المكلف من قبل الرئيس جوسلينو كوبيتشيك عام 1956 بوضع مخطط لبناء عاصمة جديدة- كانت الحرب الأهلية قد اجتاحت البلاد.
ومع انتهاء الحرب لم تعد طرابلس كما كانت من قبل، بل تعرضت المدينة للتهميش والإهمال، وتوجهت المشاريع الكبرى إلى بيروت مما حرمها من مصدر دخل كبير.
مقر الجيش السوري
وما زاد الطين بلة اتخاذ قوات النظام السوري من المعرض مقراً في طرابلس، وعندما انسحب الجيش السوري من لبنان عام 2005 اكتشف الطرابلسيون أنّ الوضع مأساوي، إذ لم يبق في المعرض أيّ بلاط أو مغاسل أو إضاءة إلى جانب تدهور وضع المنشآت التي لم تتم صيانتها لثلاثة عقود.
ومنذ حينها ويستضيف معرض رشيد كرامي عددا من المعارض. وأصبحت الحدائق الخارجية مقصداً للعائلات مع أطفالهم، لكنّ المعرض لم يصل إلى قدرته القصوى من الاستخدام. إذ إنّ مليون متر مربّع من الأرض تبقى فارغة طيلة العام، ويقتصر استعمالها على عدد من المعارض وحفلات فنية في الأعياد سنويا.
ويعتبر سكان طرابلس أنّ السياسيين يقفون وراء ضياع فرصة استخدام المعرض لتحسين وضع المدينة الاقتصادي رغبة منهم بجلب الاستثمارات إلى بيروت وليس طرابلس. إذ حين تمّ بناء المعرض في الستينيات كانت الأرقام تشير إلى أنّه سيخلق أربعة آلاف فرصة عمل بالمدينة.
ولا شك أنّ سكان طرابلس يضعون آمالهم بالمعرض أملا أن يكون رافعة المدينة الاقتصادية، ويتحدثون عن آلاف فرص العمل التي ستحظى بها في حال أصبح معرضاً دائماً كما كان مقرراً له. وهو أمر كان قيد التفكير السنوات الماضية، بعد تقديم عدة شركات مسودات مشاريع استثمارية مختلفة، لكنّ الأمور بقيت حبراً على ورق بعد دراسة الجدوى الاقتصادية.
فالمدينة فيها فندق واحد ولا مواصلات عامة وبناها التحتية قديمة، وسمعتها كانت حتى عامين سيئة بسبب المعارك بين منطقتي جبل محسن وباب التبانة والتي خلفت عشرات القتلى ومئات الجرحى، ولا خطط جدية لتنشيط السياحة فيها، وهو ما تحتاجه أي مشاريع يمكن تنفيذها في المعرض، إذ لا يمكن لهذه لمشاريع أن تعيش وتستمرّ اعتماداً فقط على أهل المدينة.
ويخاف الكثيرون من الناشطين على مستقبل المعرض، خصوصاً أنّ الدولة أعطت منذ عقدين ترخيصاً لرجل أعمال لبناء فندق على أرض تابعة للمعرض، تم بموجب ترخيص تحويل وجهة أحد المباني إلى فندق. ووقف ذلك عائقاً أمام إدخال المعرض في جردة اليونسكو للأبنية التراثية تمهيداً لحمايتها.
إضافة إلى ذلك، فإنّ الخطر الأكبر على المعرض هو الخلاف السياسي حول تعيين مجلس إدارة بعد انتهاء ولاية المجلس القديم العام الماضي. هذا الفراغ الإداري أدى إلى غياب الصيانة عنه وتردي أوضاع الكثير من منشآته.
ويقول أحد أعضاء مجلس إدارته السابقين للجزيرة نت -طلب عدم الإفصاح عن اسمه- إنّ السلطات المعنية تمعن في هدم المعرض معنوياً عبر رصد موازنة هزيلة تبلغ حوالي مليون وثلاثمئة ألف دولار، بينما قدرت أكثر من شركة هندسية قيمة الترميم بين عشرة وثلاثين مليونا. ويضيف الرجل أنّ صرف المبلغ الزهيد أصلاً يخضع لسلسلة تدابير إدارية طويلة ومعقدة بين وزارتين مما يجعل أي عمل بسيط مضنياً.