هشام عبد الحميد: متفائل بمستقبل الفن بمصر رغم القتامة
حاوره: عبد الرحمن رمضان
قال الفنان المصري هشام عبد الحميد إنه متفائل بمستقبل القطاع الفني بمصر، رغم التجاوزات والانفلات غير المحسوب الذي تشهده المرحلة الحالية، مبررا ذلك بقدرة القطاع على تجاوز مراحل سابقة شبيهة كما هي الحال في الأربعينيات وما تلى حرب 1967.
ورأى الفنان المصري في حوار مع الجزيرة نت، أجري عبر الهاتف من إسطنبول، أن الرقابة المفروضة على القطاع لا زالت على حالها منذ الاستعمار الإنجليزي، حيث السياسة واحدة وإن اختلف الرقيب، ذاهبا إلى أن الأعمال الداعمة للسلطة القائمة لم تعد تترك الأثر نفسه الذي كانت تتركه في مراحل سابقة.
ونفى عبد الحميد -الذي واجه حملة إعلامية واسعة من قبل وسائل إعلام مصرية بعد التحاقه بإحدى القنوات المحسوبة على معارضي النظام المصري- أن تكون موافقته على تقديم برنامج فني بقناة الشرق ناتجة عن قلة العروض الفنية المتاحة له، مشيرا إلى أنه في المرحلة نفسها كان لديه عرضان للمشاركة في مسلسلين.
وفي ما يلي نص الحوار:
بداية، كيف ترى واقع القطاع الفني في ظل الأوضاع الحالية بمصر؟
القطاع يحفل في مرحلته الحالية بالكثير من التجاوزات والانفلات غير المحسوب، إلا أنه رغم هذه المنغصات والسلبيات فأنا متفائل بإمكانية تجاوز ذلك وبحدوث انفراجة تبدد القتامة التي تسيطر على المشهد، وأتمنى أن يتم ذلك سريعا، وهو أمر لا شك فيه مع دورة التاريخ.
وهذه المرحلة تذكرنا بمراحل سابقة انتاب القطاع فيها ما ينتابه في هذه المرحلة، كما الحال في الأربعينيات ومرحلة ما بعد حرب 1967، حين توقفت صناعة السينما تماما، وانتقل معظم سينمائيينا إلى بيروت وإسطنبول وبلاد أخرى عربية، وكان الواقع لا يشير إلى أي نوع من أنواع التفاؤل ولا الخير.
لكن تعافت صناعة السينما وتعافى القطاع الفني بشكل عام وازدهر المسرح مرة أخرى وحقول الفن المختلفة بعد أن كانت متوقفة عن العمل، ومن ثم فأنا متفائل بنهضة قريبة لقطاعنا الفني.
كيف ترى أثر السياسة على الفن خلال مرحلة ما بعد الثورة وما تلاها من أحداث، خاصة في ظل النظام القائم؟
العلاقة تظهر من خلال الرقابة المفروضة على القطاع، وهي الانعكاس الكاشف لأثر السياسة فيه. وهذه الرقابة لم تتغير منذ وضع الاستعمار الإنجليزي معاييره وبنوده للسيطرة على القطاع، واستمر الأمر كذلك بعد ثورة 23 يوليو/تموز 1952، حين قُنن الأمر، وأصبح هناك جهاز للرقابة على المصنفات الفنية، ولا يزال الأمر مستمرا حتى وقتنا الحالي، وخلال هذه الفترة لم تتغير كثيرا لائحة المحظورات في "التابوهات" الثلاث المعروفة: السياسة والجنس والدين.
وحتى الآن، لم نتجاوز القيود الرقابية التي تقيدنا بشكل أو بآخر، خاصة على مستوى السياسة، فمعظم الأفلام والمسرحيات والأعمال الدرامية التي تتناول جانب السياسة يتم تفريغها من محتواها بشكل أو بآخر، وقد يصل الأمر إلى منعها من العرض.
فالأمر إذا ليس جديدا، وما اختلف فقط هو الرقيب؛ في البداية كان الاستعمار ثم أصبح الرقيب من هو في السلطة، الوجوه تختلف لكن السياسة واحدة.
هل هناك نماذج لهذا التأثير المتمثل في فرض الرقابة على القطاع الفني؟
هناك العديد من النماذج، منها على سبيل المثال منع فيلم "آخر أيام المدينة" الذي مثل مصر بمهرجانات عديدة، وقدم نموذجا مشرفا للفن المصري، وكان على وشك العرض بمهرجان القاهرة الدولي، لكن إدارة المهرجان منعته بحجة عرضه بمهرجانات أخرى، مع أن هناك أفلام بالمهرجان سبق عرضها بمهرجانات أخرى، وبالتالي تبين أن سبب المنع سياسي.
وكذلك منع مسلسل "أهل الإسكندرية" الذي يتجدد الحديث عن منعه سنويا منذ إنتاجه قبل أربعة أعوام، ومنع فيلمي الصامت "لا" الذي حصد العديد من الجوائز والألقاب، حيث حصل على إشادة من الكونغرس الأميركي ومن البرلمان الكندي، كما حاز على جائزة "آندي" للسينما المستقلة وشارك في مهرجان مالمو السينمائي بالسويد.
كيف ترى أثر المال في القطاع الفني في الآونة الأخيرة سواء كان مالا مباشرا للسلطة أو لرجال أعمال مؤيدين لها؟
حتى وإن كان هذا المال حاضرا بالفعل لدعم موقف النظام الحالي بأعمال سينمائية أو درامية، فإن هذه الأعمال من وجهة نظري ليست مؤثرة بالصورة المرجوة من قبل أصحابها، خاصة في حال المقارنة بينها وبين أعمال تم إنتاجها في مراحل سابقة لدعم موقف الأنظمة حينها.
ويحضرني على سبيل المثال، فيلم "رد قلبي" الذي أنتج عام 1957، وهو أحد الأعمال الداعمة والمرسخة لمرحلة 23 يوليو/تموز 1952، وترك أثرا كبيرا في الشعب المصري، وحظي بالتفاف واسع، وغيره الكثير من الأعمال، لكن ما يُنتج حاليا لا يترك أثرا مشابها لدى متابعيه.
كيف تنظر إلى إعلان نقل مدينة الإنتاج الإعلامي إلى العاصمة الإدارية الجديدة.. هل يعزز ذلك تأثير السياسة على الإنتاج الفني وعسكرة القطاع بشكل عام؟
لا أتصور تنفيذ ذلك، وما لدي من معلومات، وإن لم تكن قاطعة، فإنه سيتم الإبقاء على مدينة الإنتاج الإعلامي الحالية وإنشاء أخرى بالعاصمة الإدارية، وأرى إن تم الأمر على هذا النحو فإنه إيجابي وفي صالح القطاع بشكل عام.
مصر في حاجة لأكثر من مدينة إنتاج إعلامي، وفي حاجة لحركة أستديوهات تضخ في شرايين الحقل الفني، خاصة في ظل اتفاق الجميع على أن مدينة الإنتاج الحالية باتت لا تلبي المطالب الفنية العملاقة، لأن الصناعة تتطور تطورا سريعا، وإنشاء مدينة جديدة سيكون لصالح القطاع.
مؤخرا استقطبت الأعمال الدرامية التاريخية التركية المشاهد المصري رغم الخلاف السياسي بين نظامي البلدين، كيف تقرأ ذلك؟
هذا يقدم تحذيرا شديدا لكل الصناعة الفنية التي لدينا، سواء صناعة إعلامية أو درامية أو سينمائية، وهو أنه لا بد أن نستوعب أننا لسنا وحدنا على الساحة، وأن لدينا منافسين، وسبق في ذلك الدراما التاريخية السورية وكانت متفوقة جدا، وأمامنا الآن الدراما التركية وتنافس بشكل قوي جدا، ولا تنحصر المنافسة في الجانب التاريخي، بل تتجاوزه إلى العاطفي والرومانسي.
لا بد أن نتجاوز تصورات أننا الرواد وحدنا ونمتلك حق التميز في المنطقة، فالمنافسون اليوم لا يقلون خبرة وتميزا، بل قد يتفوقون في بعض الأحيان، لا بد أن نضع ذلك في اعتبارنا، وأن نحاول إحداث صحوة حقيقية في القطاع الفني، والأمر جد خطير إن لم نلتفت لذلك ونوليه الاهتمام اللازم.
كيف تنظر إلى قرار شطبك وآخرين من نقابة المهن التمثيلية؟ وتبرير ذلك بعدم دفعكم الاشتراك؟
هو قرار غريب، فبداية لا بد لمثل هذا القرار من اجتماع مجلس النقابة ودراسته ثم اتخاذه مع توجيه خطاب لي يوضح أسباب القرار، وما علمته أن الاجتماع تم لكن المجلس رفض قرار الشطب.
وتم رفض دفعي الاشتراك من خلال محام، حيث اشترطوا تواجدي بشخصي، رغم أنه لا يوجد في لوائح النقابة ما ينص على إلزام العضو بدفع الاشتراك بنفسه، فما كان من المحامي إلا أن قام بعمل إنذار على يد محضر بالمحكمة وأورد قيمة الاشتراك في خزانتها وتسلم إيصالا رسميا يفيد بدفعي الاشتراك.
وبالتالي فما حدث ما هو إلا تعنت من قبل النقيب تدفعه أسباب أخرى غير ما هو معلن، وقد توجهت إليه بسؤال عما إذا كان يراني خائنا للوطن حتى يتخذ معي مثل هذا الإجراء.
ما أراه هو خلط للسياسي بالمهني، وهو أمر غير مقبول في نقابة كنقابة المهن التمثيلية، بأن تحاكم الناس على توجهاتها ومواقفها أو آرائها السياسية.
واجهت هجوما إعلاميا على خلفية إعلان موقفك من الأوضاع الحالية، لماذا في رأيك؟
حين أبديت مواقفي وأعلنت التحاقي بقناة الشرق لتقديم برنامج فيها، واجهت رفضا إعلاميا وشعبيا في البداية، لكن مع انطلاق برنامجي ووضوح أفكاري ورسالتي من خلاله تغير الموقف الشعبي بشكل كبير، وزادت متابعتي ورصدت ردود الفعل الإيجابية تجاه أدائي بشكل أثبت تميز البرنامج ونجاحه.
وهذا ما كان يهمني في النهاية، وهو أمر فاق كل التوقعات والطموحات، وكان الموقف الشعبي المعارض في البداية واقعا تحت تأثير الهجوم الإعلامي الذي تبدد مع انطلاق البرنامج.
البعض اعتبر التحاقك بإحدى القنوات المحسوبة على معارضة النظام القائم نتيجة غياب العروض الفنية المقدمة إليك، فما رأيك؟
هذا أمر غير حقيقي، فقد كان معروضا علي المشاركة في مسلسلين حين التحاقي بقناة الشرق، لكن ما لا يعلمه البعض أن لدي رغبة قديمة عمرها يقارب 25 عاما في تقديم برنامج أعرض فيه أفكاري ورؤاي وتصوراتي الفنية، ورغم عدم اجتهادي في السعي لتحقيق هذه الرغبة فإن العديد من القنوات حين إبداء هذه الرغبة كانت ترحب بشدة في البداية ثم أفاجأ في المقابلة الثانية بتراجع تحت حجج واهية.
خلال هذه الفترة الطويلة، عانيت الحصار، ولم تتح لي الفرصة التي أرغب فيها، إلى أن أتيحت الفرصة بقناة الشرق، والسؤال الصحيح هنا بعد نجاح برنامجي: لماذا لم تستثمر قدرات هشام عبد الحميد لتقديم برنامج في وطنه؟ ولماذا تمت محاصرته لمدة 25 سنة ورفض تقديم أفكاره التي كان يعلنها دائما.. أليس الأمر غريبا؟
كيف ترى مستقبل قطاع الفن بمصر وما رأيك في عناصره الجديدة؟
كما أسلفت في بداية الحوار، متفائل رغم المنغصات وقتامة الصورة، وجزء من دواعي هذا التفاؤل وجود عناصر شابة تمتلك مواهب وقدرات جيدة، ومنها من لم يأخذ حقه من الضوء حتى الآن، لكنني أرى طاقات ممتازة تنتظر الفرصة للانطلاق بقوة وأسلوب جديد.