وقفة عرفان برواد الفن الأصيل في الجزائر

ياسين بودهان-الجزائر
والتظاهرة التي ينظها الديوان الوطني للثقافة والإعلام في قاعة الموقار وسط العاصمة الجزائر، تأتي ضمن رزنامة أنشطته الثقافية المبرمجة لإحياء شهر رمضان الكريم، وتتضمن سهرات فنية متنوعة لفرق وفنانين يستحضرون أجمل ما غناه ولحّنه وألفه رواد الفن الجزائري.
باكورة السهرات التكريمية خصصت للفنان الشعبي اعمر الزاهي، الذي ألف أول أغنية له عام 1968 بعنوان "يا العذراء"، والذي غنى له الفنانون محمد شتوان، وعزيوز رايس، ونصر الدين غاليز، أجمل أعماله الفنية.
ورغم أن الزاهي لا يزال على قيد الحياة، فإنه كانا غائبا عن "وقفة العرفان" المخصصة له، إذ إنه اختار العزلة أنيسا له، وهو يرفض الظهور إعلاميا، والمشاركة في إحياء الحفلات الرسمية، لشعوره في مرحلة ما من مسيرته الفنية بأنه كان ضحية التهميش والإقصاء، رغم مكانته الكبيرة في قلوب محبي الفن الشعبي ببلاده.
وقفة العرفان الثانية كانت لبوجمعة العنيقس، وهو صاحب رائعة "يا بحر الطوفان" الذي خطفه الموت العام الماضي، ويعد أحد أعمدة الفن الشعبي الأصيل، وتلميذ شيخ الفن الشعبي الحاج محمد العنقى.
أما الحاج محمد العنقى فخصصت له ليلة هو الآخر للاحتفاء به كأب روحي للفن الشعبي، وأكبر ملحن جزائري، بحضور تلامذته على غرار مهدي تامشت، وسيد علي بوخارست، وعبد القادر شرشام، الذين غنوا أجمل ما ألف الشيخ خلال مسيرته الفنية، التي توجت بكتابة 350 أغنية، سجل منها أكثر من 130 أغنية.

شعبي ومالوف
وتوالت بعد ذلك وقفات العرفان، لأشهر فناني الأغنية الشعبية التي تحولت مع مرور الزمن إلى فن يمثل صوت الشعب، ويحاكي يوميات الفقراء والطبقات الضعيفة، بأداء قصائد تعبر عن هموم وأحاسيس وأفراح وأحزان الجزائريين، على غرار الفنان اعمر العشاب الذي ترك بصمته سنوات الستينيات والسبعينيات، إلى جانب الفنان حسيسن سعادي، والهاشمي قروابي، والحاج الغافور وغيرهم.
وقفات العرفان لم تقتصر على فناني الشعبي فقط حسب المكلفة بالإعلام في الديوان الوطني للثقافة والإعلام خيرة عليان، فقد كان حسب حديثها للجزيرة نت لرواد الأندلسيات وفن المالوف حظهم من التكريم والاعتراف.
ويعد فن المالوف أحد أنواع الموسيقى التقليدية بدول المغرب العربي، وتتباين أسماؤه بين دولة وأخرى في المنطقة، فهو الآلة في عموم المغرب العربي، والصنعة في العاصمة الجزائر، والمالوف في عموم الجزائر وتونس وليبيا، والغرناطي في وجدة وسلا المغربيتين وتلمسان ونواحي غرب الجزائر.
وكشفت خيرة عليان أن الفنانين الذين تم الاحتفاء بهم في هذه التظاهرة بلغ عددهم 18 فنانا، ممن سطروا أسماءهم بأحرف من ذهب في سجل الموروث الغنائي الجزائري الأصيل.

تقريب التراث للشباب
وبيّنت أن الهدف من إحياء هذا التراث، هو تقريبه للشباب والجيل الجديد، الذي يهوى الأغاني الحديثة، ويجهل الكثير من موروثه الموسيقي الزاخر.
وقالت عليان "الجزائريون أثبتوا من خلال إقبالهم الكبير على السهرات الفنية، وخاصة فئة النساء منهن تمسكهن بهذا الفن".
ومع أنها أكدت أن عدد الفنانين الذين وجهت إليهم الدعوة لإحياء هذه السهرات وغيرها تجاوز مائتين، فإن الفنان الشعبي ناصر مقداد استغرب عدم دعوته ودعوة غيره من الفنانين لإحياء السهرات، وهو يعتقد في حديثه للجزيرة نت أن التقشف ألقى بظلاله على مثل هذه التظاهرات، مما يفسر في رأيه "دعوة أسماء غير معروفة في المشهد الفني على حساب الأسماء المعروفة".
وعبّر مقداد عن عدم رضاه عن واقع الفن الشعبي بالجزائر، فرغم أن هذا الفن كما يقول "يعبر عن ضمير وروح الشعب الجزائري، فإنه ليس في أفضل حالاته"، وهو يرى أن "أفضل احتفاء بعمداء هذا الفن، وغيره من الفنون الجزائرية الأصيلة، يكون بالحفاظ عليه ودعمه وتطويره باستمرار، وليس بتجاهله، أو الاحتفاء به في تظاهرات مناسباتية".