مؤبد مفتوح.. قصة أقدم أسير فلسطيني
ميرفت صادق-رام الله
يحكي فيلم "مؤبد مفتوح" في خمسين دقيقة قصة اعتقال الفلسطيني كريم يونس (58 عاما) في يناير/كانون الثاني 1983 أثناء دراسته في جامعة بئر السبع بتهمة قتل جندي إسرائيلي وسلب سلاحه، ورفض الاحتلال الإسرائيلي الإفراج عنه طيلة ثلاثة عقود ونصف العقد حتى صار أقدم أسير في العالم.
وأنتج الفيلم مفوضية شؤون الأسرى والمحررين في قطاع غزة بالتعاون مع تلفزيون فلسطين، وعرض لأول مرة في مدينة رام الله بالضفة الغربية بحضور صبحية يونس والدة الأسير التي افتتحت العرض.
وتتناول أحداث الفيلم قصة انتظار والدته و"تحايلها على الموت"، كما قال شقيقه نديم، في انتظار الإفراج عنه، بعد أن توفي والده في ذكرى اعتقاله قبل ثلاثة أعوام.
تروي والدته (84 عاما) في بداية الفيلم معاناتها في بداية اعتقاله، وكيف انقطعت عن الحياة وجلست مع حزنها في البيت بعد أن قرر الاحتلال إعدامه مع ابن عمه ماهر يونس الذي اعتقل بعده بأيام، إلى أن خفض حكمهما إلى المؤبد المفتوح.
وتقول إن العائلة بحثت عن ابنها كريم لشهور حتى عثرت عليه في سجن عسقلان، ومن يومها تنقّل في كافة السجون الإسرائيلية، وكانت تزوره في بداية اعتقاله وهو مقيد اليدين والقدمين.
كما يسجل الفيلم روايات والدة يونس وعائلته في منزلهم، وكذلك شهادات أصدقائه ورفاق عاشوا معه تجربة الاعتقال وأفرج عنهم بينما استمر سجنه بلا نهاية.
كل الأبواب طُرقت
وتضيف الوالدة أن العائلة طرقت كل الأبواب لتحريره، وجهزت له بيتا وحلمت بعرسه منذ ثلاثة عقود من الألم، قضتها حزنا وبكاء عليه.
يقول صديقه الأسير السابق جبر وشاح من غزة إن ما يؤلم كريم ليس ثلاثين عاما في الأسر وليست السنوات التي قد تأتي، ولكن خوفه أن تموت أمه وهو لا يزال أسيرا.
ويتابع وشاح أنه أدرك أن صديقه الأسير يستمد قوته من والديه، ورغم 34 عاما قضاها في الأسر فإن السجن لم يسكن قلبه، "وهو مناضل استلهم الكثير من الأسرى منه القوة والعزيمة".
وكان الأسيران يونس وابن عمه ماهر واجها حكما بالإعدام لكنه خفف إلى المؤبد المفتوح، وقبل عامين حددت سلطات الاحتلال المؤبد لهما بأربعين عاما بعد أن استغل محاميه توجها إسرائيليا لتحديد حكم المؤبد للسجناء عامة.
ومن المقرر أن يفرج عن كريم وماهر يونس في مطلع عام 2023 ووقتها سيكون عمره (65 عاما) وقد أتم أربعين عاما في الأسر.
ونقل شقيقه بعضا من النصوص التي كتبها كريم خلال سنوات أسره الطويلة، ومما كتبه تحت عنوان "فشّة غل"، "داخل مكعبات إسمنتية.. رائحة الموت البطيء تلازمنا وتمشي معنا وتتسلسل خلسة وتقتحم ساعات النهار والغروب، وأنا عالق لا أزال أصعد وأهبط كموج البحر، انتظر الصباح".
التعليم الجامعي
وينشغل يونس بالإشراف على عملية التعليم الجامعي للأسرى الذين سمح الاحتلال لهم بذلك، ويقول شقيقه إن قلبه ما زال ينبض بالعطاء حتى بعد ثلاثة عقود ونصف العقد في الأسر، وإن بذور اليأس والإحباط لم تجد طريقها إلى قلبه ووجدانه.
وكان من المفترض أن يفرج عنه ضمن ثلاثين أسيرا، بينهم 14 من الأراضي المحتلة عام 1948، وهم ممن اعتقلوا قبل توقيع منظمة التحرير الفلسطينية اتفاق أوسلو للسلام مع إسرائيل عام 1993، غير أن الاحتلال رفض الإفراج عنهم، ورغم ذلك، فقد جهزت له والدته بيتا، وعاشت العائلة هذه المرة أملا كبيرا بالإفراج عنه.
وكاد يونس أن يتحرر ضمن صفقة الإفراج التي شملت آلاف الأسرى الفلسطينيين عام 1985، لكن الاحتلال تراجع وأنزله من حافلة الأسرى المفرج عنهم في آخر لحظة.
تقول والدته في نهاية فيلم "مؤبد مفتوح" إنها لا تخاف عليه، كما تقول، "كلما تقدمت السنوات، يصير كريم حرا أكثر"، لكنها تخاف أن لا تلقاه في لحظة حريته الأولى خارج السجن.