السينما المغربية تنحاز لصف الكوميديا
نزار الفراوي-الرباط
تعرف خريطة الإنتاج السينمائي المغربي من حيث توزيع الأجناس الفيلمية انتعاش طائفة خاصة من الأعمال الكوميدية ذات الطابع الجماهيري، التي تخطب أساسا ود أوسع شرائح المشاهدين، وخصوصا فئة الشباب منهم.
ومن اللافت أنه في ظل الأزمة التي تعاني منها القاعات السينمائية في المملكة، والتي تتقلص أعدادها من سنة لأخرى بسبب عزوف الجمهور المتجه نحو استهلاك الأقراص المقرصنة، فإن القاعات الصامدة تحقق أعلى عائداتها مع عرض أفلام مغربية كوميدية باتت تتصدر قائمة شباك التذاكر خلال السنوات الأخيرة.
كوميديا اجتماعية
وباستثناء وحيد سجلته بداية التسعينيات مع فيلم ظاهرة بعنوان "البحث عن زوج امرأتي" لمحمد عبد الرحمان التازي الذي حطم حينئذ كل الأرقام القياسية في الإقبال على القاعات، بفضل طابعه الكوميدي الاجتماعي، فإن موجة الأفلام الكوميدية بلغت ذروتها مع فيلم "الطريق إلى كابول" لإبراهيم الشكيري الذي يصور في قالب عجائبي ساخر رحلة غريبة لشباب مغاربة، لا علاقة لهم بالانتماء إلى جماعة سياسية أو دينية، إلى مجاهل أفغانستان في عز الحرب بين القاعدة وأميركا.
فبعد خروجه منذ ثلاث سنوات، لا يزال الفيلم يتصدر مؤشرات شباك التذاكر المغربي، حيث حقق عائدات ناهزت أربعة ملايين درهم مغربي (قرابة 400 ألف دولار) وحوالي 93 ألف تذكرة دخول.
والملفت أن أفلاما مغربية سجلت نتائج باهرة على مستوى المهرجانات القومية والعربية والقارية بل الدولية، احتلت المراتب الأخيرة في قوائم الشباك، مما يكرس طبيعة الثقافة السينمائية في العالم العربي ككل، حيث لا تجتذب أفلام المؤلف والأعمال الجادة عموما جماهير واسعة، خارج النخبة الشغوفة بأصول الفن السينمائي.
وجاء المهرجان القومي للسينما بطنجة في دورته الأخيرة ليكرس حضور الاتجاه الكوميدي في خضم التطور الكمي للإنتاج السينمائي بالمغرب. هي أفلام جسدت هذا التوجه الذي يراهن عليه مخرجون شباب لإنجاز سينما جماهيرية قريبة من ذائقة الشرائح الشعبية.
ضمن هذه الأعمال، فيلم "رهان" الذي يستعير نمط أفلام الكوميديا الرومانسية الهوليودية، مقدما قصة بسيطة عن شاب يراهن صديقه على الفوز بجلسة عشاء مع ممثلة مشهورة. يُوفق في ذلك لكن القصة تتشعب حين تتحول الجلسة إلى علاقة جدية لكنها معرضة للانهيار بسبب خطيئة الكذب.
ومن إنتاج 2014 أيضا "الفروج" (الديك بالعامية المغاربية)، وفيلم قصة لصانع تقليدي يقطن بالمدينة العتيقة ويملك ديكا، فيدخل في صراع مع أجنبي اقتنى بيتا تقليديا بجواره، وبدأ ينظم سهرات لأصدقائه، مما أزعج الصانع التقليدي، في حين يحتج الأجنبي على صياح الديك في الصباح الباكر.
ظاهرة صحية
أحيانا قد لا يكون للعمل السينمائي أي طموح فني أو جمالي غير الإضحاك. هكذا يقدم صناع هذا الفيلم مثلا عملهم على موقع للتواصل الاجتماعي "ساعات من الضحك المتواصل مع نجوم مغاربة وأجانب". والملفت أن الفيلم يحقق اكتساحا في القاعات. ففي ظرف ثلاثة أسابيع من خروجه، اجتذب "الفروج" أكثر من 18 ألف متفرج، وهو رقم كبير، علما أنه في بداية مشواره مع التوزيع.
نوع آخر من الكوميديا الشعبية يقترحها سعيد الناصري في فيلم بعنوان "الحمالة"، يمزج فيه بين الضحك والمغامرة. والقصة بالفعل تتمحور حول حياة مليئة بالمغامرات لشاب يعيش على الهامش، يسعى إلى تدبير قوت يومه ومساعدة أمه المصابة بألزهايمر بكل الطرق، بما فيها بيع المخدرات بالتقسيط.
ويكاد النقاش الذي يعرفه المشهد السينمائي المصري منذ انطلاق الموجة الكوميدية الجديدة يتجدد بنفس الصيغ والمقولات في الساحة المغربية. فبينما يبدي بعض النقاد وعشاق السينما الجادة استياءهم من الطابع السطحي والفُرجوي لهذه الأفلام، يعتبر آخرون أن تنوع الأجناس ظاهرة صحية وطبيعية، بل إن هذه الأنواع الفيلمية ضرورية من أجل ضخ نفس جديد في القاعات السينمائية التي تعيش أوضاعا صعبة، وأيضا لتكريس عادة الإقبال الجماهيري على القاعات السينمائية.