"آخر السلاطين" لمنصور الصويم .. استعادة التاريخ سرديا

محمد نجيب محمد علي-الخرطوم
استطاع الروائي السوداني الشاب منصور الصويم في روايته "آخر السلاطين" إعادة كتابة سيرة السلطان علي دينار سلطان دارفور، وهو شخصية تاريخية غامضة ومثيرة للجدل لعبت دورا محوريا في تاريخ السودان الحديث.
وصدرت الرواية عن دار أوراق بالقاهرة، ويستحضر فيها الصويم حياة هذا السلطان الذي استطاع بمكر سياسي أن يستقل بدارفور عن بريطانيا لمدة قاربت العقدين من الزمن رغم سيطرتها على السودان شمالا وشرقا وجنوبا.
وأدى اغتيال علي دينار على يد الإنجليز عام 1916 إلى انتهاء عهد السلطنة في دارفور، ولم يكن السبب المباشر في إنهاء حكم دينار سوى انحيازه إلى السلطنة العثمانية في حربها ضد دول الحلفاء في الحرب العالمية الأولى.
هذا السلطان المثير للجدل يعود للحياة من جديد في رؤية سردية لمنصور الصويم الذي يربط ماضي دارفور بحاضرها، مستعيدا ماضيا كان مجيدا من أجل إعادة بناء حاضر تمزقه التجاذبات وتحيط به دوائر الفرقة والانقسام مجتمعيا وسياسيا.

الواقعي والمتخيل
ويقول منصور الصويم للجزيرة نت إن هذه الرواية هي محاولة للاشتغال على إحدى الشخصيات العظيمة في التاريخ السوداني، فالسلطان علي دينار-آخر سلاطين الفور- أدى أدوارا جليلة لأهل دارفور في فترة حكمه، امتدت لتشمل السودان كافة وتتعداه للعب أدوار سياسية ودينية على المستويين الإقليمي والعالمي.
ويضيف الصويم أن شخصية علي دينار ذات البعد الأسطوري في الذاكرة الشعبية موحية إلى أبعد حدود وتدفع الكاتب إلى تتبع مسارات حياة هذا السلطان العظيم، واستجلاء حقيقة الكثير مما يروى عنه ومحاولة تتبع الأثر الاجتماعي والسياسي الذي تركه وطبع به هذا الإقليم السوداني حتى الآن.
تميز نص "آخر السلاطين" بالانفتاح والقابلية للتأويل حتى يتلاءم الماضي مع الحاضر، ويحيل السرد الاستعادي لسيرة علي دينار إلى الحاضر منطلقا من الماضي في نص تتجاذبه خيوط سردية عديدة غنية بالتفاصيل الصغيرة والكبيرة في حياة مجتمع دارفور وسلطانه، وثرية بوقائع سياسية واجتماعية ودينية حكمت مجتمع "الفاشر" عاصمة الإقليم في ظل حكم علي دينار وحاليا.
وقد صدّر السارد كل فصل باسم مرتبط بتاريخ السلطان من مواقع ومدن وأحداث، كما تنوعت اختياراته من الوثائق التي ارتبطت تاريخيا بحياة السلطان ونظام حكمه وتحالفاته التي قادت أخيرا إلى نهايته.
وتلقي صورة السلطان الأسطورية بظلالها على مجمل حيوات الشخوص المرتبطة به داخل قصره وخارجه.

تاريخ ملحمي
وتميزت لغة الصويم بعامية مدينة، ومع انتماء الصويم بالميلاد لدارفور استطاع التقاط كل شاردة وواردة في لغتها العامية المحكية، كما تمكن من أن يؤطر داخل السرد الملحمة الشعبية شعريا وتراثيا في تعبيرها عن الإعجاب بالسلطان علي دينار.
ويقول الناقد والكاتب محفوظ بشرى للجزيرة نت إن هذه الرواية تمثل قفزة إلى مرحلة جديدة في مشروع الصويم السردي، وتبرز بجلاء بلوغه مرحلة النضج الذي يتجلى في سيطرته على مجرى السرد ليتدفق نحو النهايات التي قدّرها الكاتب منذ البداية.
ويضيف أن الرواية رغم كونها "سيرة" أكثر منها مساءلة نقدية لتاريخ السلطان علي دينار فإن "آخر السلاطين" تمهد لهذه القراءات النقدية وربطها بالواقع بتركيزها على موضوع "الحرب" في تاريخ إقليم لم يعرف الاستقرار، ويشير بشرى إلى أن الرواية لبنة مهمة في بناء مشروع الصويم الأدبي الذي يعمل عليه بتؤدة وصبر.
من جهته، يذهب الناقد عامر محمد أحمد إلى أن "الرواية تقرأ بين سطورها تاريخا ملحميا لشخصية شغلت الناس ولا تزال، وهي شخصية فذة استطاعت أن تستقل بإقليم دارفور في ظل هيمنة استعمارية على العالم العربي وأفريقيا، ولولا تدخل علي دينار لأسباب دينية مع السلطنة العثمانية لظلت دارفور مستقلة إلى اليوم".
ويؤكد محمد أحمد أن دارفور بما تعانيه اليوم محتاجة لمثل هذه الروايات والكتابات لمعرفة المشترك بين مكوناتها ورتق نسيجها الاجتماعي الذي بناه أشخاص كان لهم دور في التاريخ، على رأسهم السلطان علي دينار.