صحوة الجاز.. عودة أجواء السبعينيات بالسودان
عثمان شنقر-الخرطوم
وتصدَّر المشهد فنانون شباب، كما لم يتخلف رموز غناء الجاز القدامى أمثال الفنان صلاح براون وكمال كيلا وشرحبيل أحمد وغيرهم من الرواد الذين تباروا في تقديم حفلات عديدة في العاصمة.
الصحوة المفاجئة لغناء الجاز خلال هذه الفترة بعدما طويت صفحة هذا اللون الغنائى الموسيقي مع غروب شمس ثمانينيات وسبعينيات القرن المنصرم كأزهى عقود ازدهار الجاز، تستدعي العديد من الأسئلة وتخلِّف علامات استفهام حائرة، فهل هي "صحوة" مفاجئة؟ هل هي عودة إلى أجواء السبعينيات؟ وما الذي تعكسه ثقافيا واجتماعيا؟
حاول الفنان صلاح براون في حديثه للجزيرة نت ملامسة سطح بعض التفسيرات لهذه الاستفاقة، حيث يرى أن كلمة "جاز" كانت في السابق تحمل ظلالا سالبة لدى بعض الموسيقيين الذين يسيطرون على مفاصل القرار الفني في المؤسسات الرسمية بالسودان.
وأشار براون إلى فترة نهاية خمسينيات القرن الماضي وبدايات ستينياته حين بدأ الناس يستمعون لشكلٍ جديدٍ ومغاير من الموسيقى بفضل الأساتذة أمثال محمد إسماعيل بادي وعبد القادر عبد الرحمن ومرجان الذين كانوا ينتمون إلى موسيقى الجيش والشرطة. وقد كوَّن هؤلاء الموسيقيون -حسب براون- فرقة موسيقية وغنائية أسموها "الدانس" كانت تقدم العروض الموسيقية "للخواجات" من خلال مختارات موسيقية عالمية.
الروك والتويست
وكشف براون عن بدايات موسيقى الجاز في السودان بتأليف فرقة "الدانس" موسيقى سودانية تعتمد إيقاعات "الروك أند رول" التي قادها فيما بعد الفنان عثمان ألمو بأغنيات من تأليف وتنفيذ بادي وعبد الرحمن على إيقاعات "التويست" و"الروك".
وأكد أن الفنان الكبير شرحبيل نفسه سار على نفس المنوال وقدم أغنيات أشهرها أغنية "اللابس البمبي"، وقال إن شرحبيل وألمو قدموا أغنيات باللغة العربية ونجحت بينما فشلت الفرق الغنائية التي جاءت بعدهم -أي في تقديم أغنيات عربية- واكتفت بتقديم أغنيات غربية، الأمر الذي لم يكن في صالح شعبيتهم.
ويفسر براون عزوف المستمع عن غناء الجاز في تلك الفترة بإصرار بعض الفنانين على تقديم أغنيات غربية فقط، بجانب استخدام كثير من الفرق لطبلات "الدرامس" التي لم تكن معروفة وقتها، وأيضا لمحاربة بعض الموسيقيين الخفية لغناء الجاز، وهو ما جعل كثيرا من الناس يعتقدون أن هذه الأغنيات أجنبية بحتة ولا تمت إلى الوجدان السوداني بأدنى صلة.
سنوات مظلمة
من جانبه، يرى الناقد موسى حامد في حديث للجزيرة نت أن ما نشهده من انتشار لفرق غناء الجاز ليس "صحوة" بمعنى كلمة الصحوة لأن فرق الجاز تُقدّم عروضها منذ بواكير الستينيات -وهو تاريخ تأسيسها المنتظم وظهورها المحموم- وحتى الآن، مع أمثال فرقة جاز الأفارقة وفرقة أضواء بحري وفرقة جاز العقارب وفرقة جاز الديوم والبلوستارز.
ويشير حامد إلى أن هذا الغناء كان يؤدى في العاصمة الخرطوم، بينما كانت هناك فِرق جاز في مدن السودان المختلفة لمْ تلق الرواج والشهرة التي نالتها فِرق العاصمة، مثل فرقة جاز كادوقلي.
ويفسر هذه المسألة بأن كل ما في الأمر أنّ السودان غشيته سنوات مظلمة أثَّرتْ سلباً على كل شيء وحاصرتْ فن الغناء بشكل عام، وغناء الجاز ليس بدعاً من المحاصرة.
وفي ذهن حامد العديد من التجارب التي انحسرتْ عن الأضواء لفترةٍ ما، لكنها كانت حيّة وباقية. وهذه الفرق التي ظهرتْ الآن -بحسبه- هي لشبابٍ عاش غالبهم خارج السودان، أو لمْ تُلبِّ الأغنية السودانية المحلية طموحهم الفني، أو لأسباب أخرى. ولكنها تشكل امتدادا حقيقيا لتلك الفرق الستينية والسبعينية، وإنْ اختلفت بعض الأمزجة، أو انصرف بعضها إلى غناء الراب، وهو أيضاً ليس نمطاً غنائياً محلياً، على حدِّ تعبيره.