"ربيع تونس".. تكريم خاص لشباب الثورة التونسية

بوعلام رمضاني-باريس
مررت المخرجة رجاء عماري في فيلمها "ربيع تونس" عدة رسائل مباشرة وأخرى غير مباشرة، عن الثورة العربية الأولى التي يعقد عليها أمل ترسيخ تجربة ديمقراطية من شأنها أن تصبح مثالا هو الأول من نوعه في العالم العربي والإسلامي خلال الأيام القليلة القادمة.
وتمثلت رسالتها الأولى في الفيلم الذي عرض مساء الثلاثاء في معهد العالم العربي بالتعاون مع قناة آرتي (ARTE) الثقافية الفرنسية الألمانية، في إطار مهرجان مغرب الأفلام، في تأكيد تضحيات شباب أعزل ومحروم تمكن من الإطاحة بنظام قمعي في زمن قياسي لم يتوقعه الكثير من المثقفين اليساريين والعلمانيين والإسلاميين والقوميين، الذين انهزموا بينما ثار البسطاء بالصدور العارية والجيوب الفارغة والقلوب المليئة بالسخاء البطولي والنابضة بالحب للحياة والمتعة غير المحدودة.
واستطاعت المخرجة أن تحقق حلم معالجة ثورة بلدها من منظور روائي جديد، إثر وقوعها على سيناريو عمر لدغم -على حد تعبيرها- قبل عرض الفيلم، وهو السيناريو الذي مكنها من تجسيد مقاربة مزدوجة الهدف والبعد، الأمر الذي سمح لها بالجمع بين الخصوصية الفنية التي مكنتها من استنطاق طاقات ممثلين موهوبين وبين التصوير الاجتماعي المختزل بشكل يبعث برسالة ثالثة مكنتها من تقديم واقع تونس عشية شتاء ثورة عام 2010 على طريقتها الخاصة وغير المحايدة.
مدخل وظيفي
وكان انطلاق المخرجة من فكرة تصوير معاناة أصدقاء موسيقيين مهمشين متوجهين إلى حفل مخملي حضرته سيدة تونس الأولى تحت حراسة أمنية متوقعة؛ مدخلا وظيفيا عكس مجتمع القمع والفساد والظلم والترهيب، انطلاقا من موقف رجال الشرطة الذين ابتزوا موسيقيين مساكين على قارعة الطريق بدل القيام بواجبهم المهني كما يجب، مرورا بوقوع موحا (هشام يعقوبي) الفنان الموهوب والعاطل عن العمل فريسة لمحتال متخصص في تهريب الشبان الحالمين بجنة أوروبا المتأزمة عبر جزيرة لومبيدوزا الإيطالية قبل اعتقاله مخمورا، وصولا إلى وليد (بهرام علوي) الوسيم الذي اشتغل قارئا لفنجان السيدة الأولى في قصرها الفخم رغم أنفه طلبا للمال، وإلى فتحي (بلال تريكي) الذي عجز عن دفع رشوة لموظف بغية الحصول على منصبه التعليمي المشروع.
الظلم أدى بفتحي إلى الالتحاق بالثورة في تونس العاصمة بعد اعتقال حبيبته كريمة (أنيسة داود) بسبب نشاطها الثوري عبر الإنترنت، ويموت فتحي في مشهد درامي بطلقة قناص لحظة تنديده بدولة السراق محمولا على الأكتاف، وساهم بموقفه البطولي في فتح أفق ثورة فجرها لاحقا إلى غير عودة بائع الخضار البوعزيزي الذي تعرض في مدينة سيدي بوزيد المعدمة لمطاردة أمنية منتظمة قبل إقدامه على الانتحار حرقا وتعبيرا على ظلم موصوف.

رسائل ومغازلة مجانية
اعتماد المخرجة على شبان متحررين اجتماعيا يمثلون وقود الثورة دون غيرهم من المعارضين، سواء كانوا شبابا أم لا، مكنها من تمرير رسالة أخرى بعثت بها لإبراز شريحة معينة وتغييب أشكال قهر أخرى تمس حرية المعتقد والتعبير، في إشارة إلى إسلاميين يعدون أعداءها الأيديولوجيين الذين لم يشاركوا في الثورة والتهموها ساخنة في نظر خصومهم.
وككل الأفلام العربية والمغاربية بوجه خاص التي تنتج في فرنسا، وقعت المخرجة في مغازلة مجانية زائدة أضرت بالفيلم فنيا، وليس أخلاقيا كما يمكن أن يفهم. فالجزء الأول منه حفل بتصوير يعكس فعلا حرية شريحتها المختارة عمدا -على حد تعبيرها للجزيرة نت- لكن إقحام الإثارة الجنسية وتصويرها بدقة ومهارة في حالات كثيرة حرف مجرى الهدف الأسمى وتسبب في خلل عمقته رتابة الجزء الثاني الخاص بأرشيف الثورة وسوء مستواه الفني بحسب الناقد السينمائي التونسي السابق محمد الخيري ومدير موقع السينما التونسية.
وقالت عماري إن فيلمها يعكس ثورة شعبية عفوية وغير دوغمائية من خلال قصص قصيرة تعكس الأسباب التي أدت إلى التمرد، أما ردا عن توظيف الجنس واللهو فقالت إنهما حقيقة مرادفة لحياة الشباب التونسي ومفسرة لمفارقة وظفتها دراميا مع كاتب السيناريو موازاة للثورة.
والمخرجة رجاء عماري من مواليد تونس عام 1971، وأخرجت فيلميها القصيرين "أفريل" عام 1998 و"مساء في جويليه"، وعرفت بفيلمها الطويل الأول "الأطلس الأحمر" الذي أخرجته عام 2002 قبل فيلم "الأسرار".