أمسية صوفية ببروكسل.. إبحار بعوالم العشق الإلهي
لبيب فهمي-بروكسل
أصبحت "الليلة الصوفية" تقليدا منذ سنوات في العاصمة الأوروبية يبحر خلالها جمهور غفير في عوالم العشق الإلهي والفناء عبر الموسيقى وسماع صوفي من جل أقطار العالم الإسلامي.
ويقول مدير مركز "موسم" المنظم للأمسية محمد إقوبعا للجزيرة نت، إن الليلة الصوفية جزء من المبادرات التي تسعى إلى تقديم مختلف أشكال التعبير الفني ذات الطابع الروحي في العالم الإسلامي للجمهور الغربي.
وتُعد الصوفية بكافة تعبيراتها -بما تحمله من جمال فني سواء على مستوى الشعر أو الغناء أو الرقص- مدخلا للكثيرين للاطلاع على الثقافة الإسلامية.
وانطلقت الرحلة هذه السنة مع فرقة صوفية من بنغلاديش ترأسها فريدة بارفين، التي رغم تكوينها في الموسيقى الهندية الكلاسيكية، فإنها أبدعت في السنوات الثلاثين الأخيرة في الموسيقى التقليدية.
"طلع البدر علينا"
"البول"، أي المجانين باللغة البنغالية. وهي مجموعات من الموسيقيين المتجولين الذين كانوا يسافرون في السابق عبر قوارب، وفي كثير من الأحيان الآن عن طريق القطار لتقديم أغان دينية والتسول للحصول على قوتهم اليومي. وتنشد فريدة بارفين في الأساس قصائد وأغاني المنشد الصوفي البنغالي "فقير لالون شاه" التي كانت رائجة في القرنين 18 و19.
الفرقة التركية "الكنوز الخفية" التي تأسست عام 2005، والمعروفة باستخدامها مجموعة معينة من الآلات الموسيقية الكلاسيكية التركية، مثل الناي والدف والربابة وآلة القانون، أعادت الجمهور قرونا إلى الوراء.
إذ لم تكتف بتذكيره بالموسيقى التركية العثمانية الكلاسيكية والدينية، بل أتحفته بموسيقى عربية خالصة. وكانت لحظة إنشاد "طلع البدر علينا" بلكنة تركية مختلطة بلكنات جمهور متعدد الأصول إحدى اللحظات الأكثر وقعا على النفس خلال هذه الأمسية.
وكما تقول هافا نتكين للجزيرة نت إنها "اعتادت سماع هذا النشيد منذ الصغر، لكن أن يردده الجمهور في هذه القاعة وسط العاصمة الأوروبية أمر يترك إحساسا بالفخر والفرح". مضيفة أنه "ينجح دائما منظمو هذه الأمسية في تقديم فرق جيدة معروفة عالميا. إنها فرصة لا أفوتها وأعرف الكثيرين ممن أصبحوا مدمنين على هذا اللقاء السنوي".
وتسعى الفرقة إلى "الحفاظ على هذا الكنز الدفين المهدد بالانقراض الذي تشكله الموسيقى الكلاسيكية التركية خاصة الدينية منها" كما تقول باربارا بارتمان، من الساهرات على تنظيم الأمسية.
حركة المريدين الصوفية، التي تأسست عام 1880 في السنغال، كانت حاضرة عبر فرقة باي فال، فرقة لم تقدم عرضا كلاسيكيا كالفرق الأخرى بل تعاملت مع المنصة وكأنها في حفلة سماعية خاصة مما أربك الجمهور والمنظمين.
سفر عبر الزمان
واعتبر المدير الفني للأمسية طوني فاد دير إيكين -في حديث مع الجزيرة نت- أن "العرض كان يحمل كل سمات العمل النابع من القلب. ورغم أنه بالطبع لم يكن عرضا فنيا مثل الذي تقدمه عادة كل الفرق إلى أنه يعيدنا إلى الموضوع الأساسي، هذه الموسيقى ليست تجارية ولكنها تحمل قيما، لذا يجب التعامل معها بشكل مختلف.
وعندما تقدم الليل وكان الجمهور قد وصل به الشوق مداه لما سمعه من موسيقى وقصائد في ذكر النبي محمد صلى الله عليه وسلم بكل اللغات، تُركت المنصة لحلقة فنية للذكر الصوفي للمنشد المغربي، مروان حاجي، مصحوبا بفرقته التي امتزجت فيها الآلات الموسيقية العربية بالغربية لتمنح المستمع إحساسا بالسفر عبر الزمان والمكان بين الشرق والغرب.
وتمازج العرض الفني مع الكلمات بالأنغام والرقصات لتنتج حالة من النشوة لدى الجمهور. وتقول خديجة للجزيرة نت إن "حضور هذه الأمسية يمنح شيئا مختلفا جدا مقارنة مع الاستماع إلى هذه الفرق على الإنترنت أو على قرص مدمج. إنها فرصة تحملنا بعيدا لاكتشاف غنى تراثنا الإسلامي. فجزء كبير من الأغاني التي أداها مروان حاجي هي من التراث المغربي واستمعت لها مرات عديدة ولكنه يمنحها شبابا جديدا".
وتعد الليلة الصوفية -بحسب المنظمين- فرصة أيضا لإبراز التعدد الذي يعرفه العالم الإسلامي على كافة المستويات.