مبدعون تونسيون في ذاكرة اللون والضوء


ولم يلتزم الرياحي بفترة زمنية ولا بجنس أدبي، فقدم صورة بانورامية على المشهد الثقافي التونسي قديمه وحديثه في مشروع بدا مؤثرا في الكتاب التونسيين الذين جاؤوا من مدن مختلفة لمتابعة هذا المعرض الذي سيدوم أكثر من أسبوع.

ذاكرة الوجوه
بدا التشكيلي -الذي يقيم معرضه الأول بتونس- يبحث عن الوجوه المغيبة في الساحة الثقافية وغير المعروفة للأجيال الجديدة، فرسم مثلا الشاعر رضا الجلالي فقيد الأدب التونسي والذي كانت صورته لغزا لكل من دخل المعرض إلا بعض أصدقائه ومعاصريه الذين بدا عليهم التأثر من رؤية صورة شاعر عاش في الهامش ومات في الهامش.
ويقول الرياحي إنه ما كان له أن يقدم على هذا المشروع في ظل النظام السابق الذي أغلق في وجوه الفنانين كل المبادرات التي تعيد إنتاج ذاكرة فيقوم بمحوها أو في أحسن الأحوال تشويشها وفقا لمصالحه وإستراتيجياته، فيحول إحياء ذكرى كاتب إلى تظاهرة سنوية ليقضي على بقية الكتاب الأحياء منهم والأموات.
وتصدرت صورة المفكر سليم دولة المعرض -وهو أحد مؤسسي رابطة الكتاب الأحرار- كما التفت الرياحي إلى واحد من ألمع أدباء "جماعة تحت السور" محمد العريبي، الكاتب البوهيمي الذي مات بفرنسا منتحرا بعد رحلة أدبية فريدة صنعها في تونس والجزائر وبرازافيل.
وقال الرياحي "إن التهميش طال حتى كتاب الثلاثينيات وبقي محمد العريبي مهمشا لا يسمع به إلا عبر نصوص رفيقه علي الدوعاجي"، كما قدم الرسام جماعة تحت السور بمجموعة بورتريهات كانت لعلي الدوعاجي ومحمد البشروش أبو القاسم الشابي، ولم يغفل عن منور صمادح شاعر المقاومة الأولى فكرّمه بلوحة جديدة.
ولم يكن المعرض ليكتمل كما يقول الرياحي "دون أن أكرّم قامة كبيرة في النقد في تونس وجامعيا كان له الأثر الكبير في الجامعة التونسية وهو الناقد توفيق بكار الذي يعتبر أب الجامعيين التونسيين وألمعهم".
لم يلتزم الرياحي بفترة زمنية ولا بجنس أدبي، فقدم صورة بانورامية على المشهد الثقافي التونسي قديمه وحديثه |
بادرة استثنائية
تتخذ هذه التظاهرة خصوصيتها من نبل فكرتها فهي مبادرة فردية من الرسام المهاجر لتكريم الكتاب في تونس وبعض الفنانين دون أي تدخل مؤسساتي حتى أنه فاجأ به بعض المسؤولين في وزارة الثقافة الذين استحسنوا ما قام به الفنان الرياحي في صمت.
أن ترى كاتبا تونسيا يقف ليتابع معرضا لفنان تشكيلي، هذه السنوات هي حالة نادرة وفردية، وقد جاء هذا المعرض ليعيد التواصل بين المبدعين، فلاحظنا الكتاب والفنانين يجوبون المعرض ويتذكرون وجوه الأصدقاء والزملاء والراحلين، وجاء بعض من كانوا حاضرين بلوحات الرياحي ليثنوا على بادرته الاستثنائية ويشاركوا في التظاهرة مثل الشاعر آدم فتحي.
وفي لوحة جلبت الانتباه حضرت المرأة التونسية في "لوحة الموناليزا"، وهي في لباس شعبي تقليدي تونسي. وقد اشتهر الرياحي بهذه اللوحة التي عرضت في أكثر من معرض دولي وأصر على ألا يبيعها إلا بعد عرضها في تونس على مرأى المرأة التونسية التي كانت حاضرة بقوة في افتتاح المعرض.
ويقول الرياحي "في كل بلدان العالم وقع توطين الموناليزا وإضفاء خصوصية بلد الرسام عليها حتى أصبحت مشروعا وتقليدا فنيا في العالم، وقد كان لي الشرف الكبير في أن أكون الرسام التونسي الذي انتبه إلى ذلك وقام بتونسة الموناليزا لتكون هديتي للمرأة التونسية المناضلة بأصالتها".