الكاريكاتير السوري والرسم على حد السكين

" أمام كل هذا الدم لا يمكن للكاريكاتير أن يكون ساخرا، لا يمكن ان نحكي طرفة في مجلس عزاء |
ريشة في المعترك
وعن التجربة الجديدة التي أعطيت لرسامي الكاريكاتير مع النزاع الدائر بالبلاد يقول "كنت ومعظم رسامي الكاريكاتير نرسم عن بعد، كان ينقصنا ما عشناه خلال العامين الماضيين، أن تكون في المعترك وسط الدم وتحت القصف، أن تعيد مشهد والد محمد الدرة وهو يحمي ابنه من الرصاص عشرات المرات كل يوم، أن تعيد ترتيب أعضاء أجسام جيرانك بعد أن زارتهم القذيفة. هنا لا بد من التعبير".
ويضيف "نحن أمام حالة غير مسبوقة من استباحة الناس والدماء". وحول ما إذا كان هناك انقسام بين رسامي الكاريكاتير بالموقف من الأحداث في سوريا يقول "لا أعتقد، من خلال متابعتي لمعظم أعمال الزملاء المحترفين ليس هنالك انقسام في الموقف، فلا يوجد بينهم من يقبل بالظلم والقتل والدمار (..) الكاريكاتير فن مبني على المطالبة بالحريات والعدالة".
ويضيف "الاختلاف الموجود في أعمال الرسامين هو في حدة النقد والمباشرة فيه، المباشرة هنا تعني رسم الوجوه بشكل واضح". ويؤكد عباس "العدد الأكبر من الرسامين أصبحوا خارج البلاد، حالهم حال الكثير من الصحفيين والمثقفين. من بقي من الرسامين لا يتجاوز عدد أصابع اليد الواحدة".
مع ذلك يصر الرسام الفلسطيني (مواليد العام 1977) على القول "صرت أبتعد عن المباشرة أكثر فأكثر، فالفنان عليه الحفر أكثر في الذاكرة وترسيخ الحدث".
وإزاء كل هذه الدموية لا يبقى شيئ من طرافة فن الكاريكاتير "أمام كل هذا الدم لا يمكن للكاريكاتير أن يكون ساخرا، لا يمكن ان نحكي طرفة في مجلس عزاء". ويوضح "السخرية نوع من الكاريكاتير، وأمام كل هذا الدم لا بد أن نترك الجزء المضحك".
اكتفيت بفترة وجودي في سوريا بالرسم بالأسود والأبيض والأحمر، لم تتحمل لوحاتي أكثر من هذه الألوان |
الإنسان قيمة أساسية
ويتحدث عباس عن معنى هويته كفلسطيني يعيش في سوريا "كنت أرسم كإنسان، أحب هذه الصفة أكثر من أي صفة أخرى، وعندما بدأت الاصطفافات وقفت إلى جانب الضحايا: الأطفال والمظلومين والشهداء، وقفت مع أبسط المعايير الإنسانية التي تقتلها الحرب".
وخسر عباس الكثير، كما يقول "بيتي وعملي وأصدقائي، هنالك من استشهد وهنالك من اعتقل وهنالك من تعرض للخطف، والكثير نزحوا وشردوا، هذه الذاكرة الدامية هي التي تعطيني الدافع للرسم دائما".
ويكرر الرسام الفلسطيني شخصيات الأطفال في أعماله كثيرا، وهو كما يقول "دائما أبحث عن الطفل في نفسي لأستطيع الرسم بعفويته وبخطوطه، ودائما أنحاز إلى قضايا الطفولة، فالأطفال هم أكبر الخاسرين في الحروب. أبكي أمام معاناة الأطفال، ودائما أرسم باسمهم كطفل كبير".
وفي لوحته، الفكرة هي التي تفرض اللون، ويقول "اكتفيت بفترة وجودي في سوريا بالرسم بالأسود والأبيض والأحمر، لم تتحمل لوحاتي أكثر من هذه الألوان، هي الألوان التي كانت متوفرة بكثرة وغابت باقي الألوان عن المشهد. ولكن أستخدم كل الألوان عندما أرسم أحلام الأطفال".