شهدت الساحة الثقافية المغربية في الأيام الأخيرة اهتماما ملموسا بالنصوص الروائية على مستويات عدة، ونظمت في هذا الإطار ملتقيات في كل من الدار البيضاء وأغادير وتازة والرباط ناقشت خصوصيات الرواية العربية وتحولاتها تبعا للحركة الاجتماعية والسياسية المتسارعة.
وفي كل من أغادير والدار البيضاء تمحور الاهتمام حول العجائبية في الرواية العربية، بالرغم من أن هذا المكون تخلل الرواية العربية منذ بداياتها الأولى، وقد عرفه التراث العربي السردي خاصة في "كليلة ودمنة" و"ألف ليلة وليلة" و"بدائع الزهور" و"نصوص الكرامة" وغيرها. بينما انصرفت الأنشطة الأخرى إلى كشف جمالية بعض النصوص الجديدة، وتكريم بعض الأسماء المكرسة في مجال الكتابة الروائية.
خلط مفهومي
واحتضنت جامعة بن مسيك بالدار البيضاء ملتقى حول "الفانتاستيك في الرواية العربية" بمشاركة نقاد مغاربة مثل شعيب حليفي وبوشعيب الساوري وعبد الرحمان غنيمي وآخرين، سعوا إلى إبراز خصوصية توظيف الرواية العربية للغريب والعجيب من خلال دراسة نماذج روائية مغربية أو عربية معروفة.
وأكد أغلب المتدخلين أن الروائي العربي يشتغل على العجائبي بناء على التناص الجزئي أو الكلي، ولو أن الاشتغال الكلي على العجائبي يبقى نادرا. أما في أغادير فقد تضمنت أشغال ملتقى مماثل ندوتين أكاديميتين حول الموضوع ساهم فيها نقاد وروائيون عرب ومغاربة منهم عبد اللطيف محفوظ وفاطمة البودي وعبلة الرويني وعبد السلام دخان وجوخة الحارثي وميرال الطحاوي وأحمد لويزي وعبد السلام الفيزازي ومي خالد، وغيرهم.
وأجمعت المداخلات على أن هناك خلطا مفهوميا يطول موضوع العجائبية ناجما عن اختلاف الترجمات والمرجعيات، كما تخللت الأوراق النقدية مساهمات في تحليل المكون الغرائبي في نماذج روائية عربية محيلة على النصوص والمرجعيات التي تستمد منها المادة العجائبية.
وأكد الكاتب المغربي عبد السلام الفيزازي للجزيرة نت أنه ليست هناك رواية عربية متخصصة في "الفانتاستيك" على شاكلة الرواية التي كتبها إرنستو ساباتو مثلا، إلا ما جاء في باب الخيال العلمي مع أن التراث العربي مليء بالعجائبي، وما يوظفه الروائيون العرب وفق رأيه ليس بالعجائبي، بل هو تناص مع الذاكرة الشعبية والتراث العربي القديم.
أما الأديبة المصرية مي خالد فعبرت عن امتعاضها من الأسلوب الناشز الذي يوظف به البعض العجائبي، حيث ينفر القارئ بدل أن يجذبه، موضحة أن هذا المكون يجب أن يمنح الرواية العربية إضافة نوعية وإلا فلا حاجة لنا به.
نقد الواقع وأشارت الروائية المغربية وفاء مليح أن الروائي يسعى من خلال استعماله للعجائبي دفع السأم والملل عن المحكي، فضلا عن إغناء المتخيل وإخصابه تجاوزا لمحدودية الواقع والزمان العربيين الحافلين بالقسوة والزيف، والجنوح إلى ما فوق الواقع هو نوع من النقد المبطن للواقع وتقويضه في أفق تشكيل عالم أكثر تحررا وجاذبية على الأقل على مستوى النص الروائي.
وقالت صاحبة رواية "بروكلين هايتس" المصرية ميرال الطحاوي إن الروائي يستعين بالبعد العجائبي في نصوصه عندما يفشل في الإجابة عن الأسئلة الكبرى.
وكانت هذه الملتقيات كرمت مجموعة من الأسماء الروائية التي ساهمت في تأسيس هذا الجنس عربيا، فقد أهدى مختبر السرديات أشغال يومه الدراسي إلى الروائي سليم بركات رائد العجائبية في الرواية العربية والاحتفاء بنصوص كل من صدوق نور الدين وبوشعيب الساوري وإبراهيم الحجري في الصالون الأدبي بالدار البيضاء، وتكريم كل من مبارك ربيع وطالب الرفاعي ويوسف فاضل بأغادير، حيث قدمت شهادات في حق المحتفى بهم، ودراسات نقدية في تجاربهم ومساراتهم الإبداعية.
وأكد عبد النبي ذاكر في ورقته أن مبارك ربيع يعد أحد مؤسسي الرواية المغربية. وبقدر سبره للمتغيرات التي اعترت الكيان المغربي المقاوم لبراثن الاحتلال الفرنسي، فقد ظل يعنى بالقضايا القومية والعربية والشأن الإبداعي على حد سواء نظرا لغناه الإبداعي المتحرر من القيود المصطنعة لتكنيكات مفتعلة، وإصراره على أن يعيش هم البسطاء وأسئلتهم المتناغمة مع الحياة المجتمعية دون أن يكون ناقلا لهذا الواقع أو عاكسا لتلك الحياة.
وقدم أحمد بوزفور شهادة في حق يوسف فاضل وسمها بـ"تحولات القط الأبيض الجميل" وهي شهادة تزاوج بين التأمل التحليلي لمكونات العمل الصادرة عن دار الآداب، وبين البعد الإنساني من خلال المشترك الحميمي بين فاضل وبوزفور.