ألوان المغرب في معرض ثقافي


مبادرة فريدة من نوعها، ذلك المعرض الذي تحتضنه العاصمة الرباط، في فضاء قصبة الأوداية الأثرية، التي تعود إلى عصر الموحدين، حيث تحضر الصور الفوتوغرافية التي ترصد معالم عمرانية أو مصنوعات تقليدية أو أمكنة طبيعية في توهجها اللوني، مصحوبة بحواشي من تأليف باحثين إسبان يقدمون قراءات جمالية عميقة لأسرار اختيار الألوان واستخدامها ومزجها في مختلف المواقع.
استخدام المغاربة الرائع للألوان، التي فتنت في الماضي فنانين من أمثال دولاكروا وفورتوني وماتيس تستمر إلى يومنا هذا |
قيم الثقافة
ينطلق المعرض الذي يقام تحت رعاية مؤسسة الثقافة الاسلامية، وبتمويل من الوكالة الإسبانية للتعاون الدولي من أجل التنمية، من كون الألوان رمزا لقيم الثقافة، وبالتالي فهي جزء لا يتجزأ من هوية أي بلد.
وإذا كان هذا صحيحا في كل مكان، فإن ذلك يتم في المغرب، بطريقة استثنائية. وتلاحظ الورقة التقديمية للمعرض أن استخدام المغاربة الرائع للألوان و"التي فتنت في الماضي فنانين من أمثال دولاكروا وفورتوني وماتيس تستمر إلى يومنا هذا في إغراء كل من يتأملها".
ويقول رئيس مؤسسة الثقافة الإسلامية شريف عبد الرحمان جاه، في تعريفه للمعرض، إن الألوان "تحضر في الحياة اليومية في تناغم لانهائي للصبغ واللمعان.. فتؤثر في وجدان الكائن الانساني وتكون أفضل وسيلة لديه للتعبير عن خلجاته".
ويلاحظ عبد الرحمن جاه أن كل لون اكتسب رمزية معينة، وتجلى في العوائد الاجتماعية والدينية والفنية وصولا الى أيامنا هذه. ومع مرور الزمن، اكتسى دلالات جديدة ونوعية، ظل بعضها حاضرا إلى الوقت الراهن، بحيث اندمج في الشخصية الثقافية للشعوب.
قراءات سيميائية وإثنولوجية تقترحها نخبة من الباحثين الإسبان: مارغا كريسبو، إليزابيث إيغيا وفرانسيسكا بالان، في صيغة نصوص معلقة على الصور التي التقطها المصورون إليزابيث إيغيا وخوان غارسيا كالفيس وإنيس إليكسبورو.
تعد الصناعة التقليدية بالمغرب قطاعا ثقافيا واقتصاديا حيويا مرتبطا بالتدفقات السياحية على المملكة، وإبراز ثرائها وعمقها الفلسفي وعبقرية تشكيلها |
فضاء لوني
وتعليقا على صورة فوتوغرافية ترصد طغيان اللون الأزرق على واجهات الأبواب الخشبية في بعض الأزقة القديمة، أو وهو يزين جدرانا ونوافذ صغيرة في بيوت عتيقة، نقرأ "يعتبر الأزرق في المغرب لونا إيجابيا لكونه يعمل على درء سحر العين. لذا تصطبغ العتبات العليا والنوافذ وأبواب المدن باللون الأزرق الغامق أحيانا".
أما عن المذهب فهو، وفق الباحثين المشرفين على المعرض "اللون الذي يحيي به المغاربة، بغض النظر عن طبقاتهم الاجتماعية، كبريات احتفالياتهم. وهو أيضا اللون الحاضر بقوة في الزينة الأنثوية".
وفضلا عن الصور الفوتوغرافية وبعض القطع التحفية، حرص منظمو المعرض على بناء فضاء لوني حي من خلال فسح حيز لصناع تقليديين وهم يوقعون بإبداعاتهم العفوية اختياراتهم اللونية على قطعهم الخزفية أو لمعلمة حناء تزين أيدي الزوار بصبغتها التقليدية التي باتت تجذب الأجانب الغربيين.
أكثر من مجرد معرض فني أو احتفاء بذاكرة الألوان كمقومات للحضارة المغربية وتعدد روافدها الثقافية، الأندلسية والإسلامية والأمازيغية والأفريقية، يندرج هذا الحدث الذي يتواصل إلى العاشر من أبريل/ نيسان القادم ضمن مشروع تنموي يهدف للترويج لإبداعات الصناعة التقليدية بالمغرب، التي تعد قطاعا ثقافيا واقتصاديا حيويا مرتبطا بالتدفقات السياحية على المملكة، وإبراز ثرائها وعمقها الفلسفي وعبقرية تشكيلها.