معارض بيروت.. تراث ومعتقدات

نقولا طعمة-بيروت
لا تنفك قاعات العرض المنتشرة في مختلف مناطق وأحياء العاصمة اللبنانية بيروت، تقدم المزيد من الإبداعات الفنية، تتناول شؤونا عامة إنسانية أحيانا، وتعبيرات ذاتية في أطر فنية أحيانا أخرى.
التراث، والمعتقدات، والأوهام، والبيئة كانت من مواضيع معارض الموسم، فأطلقت هنا الكعكي صرختها دفاعا عن تراث بيروت في معرضها التشكيلي "بيروت ارفعي الصوت"، في قاعة "بياس أونيك" (Piece Unique)، جسدت فيه حنينها لبيروت ما قبل ما يعرف بـ"السوليدير"، وهي منطقة هدمها رئيس الوزراء الراحل رفيق الحريري وأقام مكانها مباني أخرى، وهو مشروع يقول كثيرون إنه قضى على ذاكرة قرون المدينة الماضية.
وعرضت اللوحات الأبنية التراثية، وصراعها مع الحداثة المستوردة في الأبراج الشاهقة، والتصاميم الهندسية الجوفاء الخالية من الدفء الاجتماعي.
تراث مهدور
تقول الكعكي -في تصريح للجزيرة نت- إنه "من المحزن جدا أن تكون بيروت السابقة، خصوصا محلة البرج التي أحببناها ولنا ذكريات دافئة فيها، قد اندثرت إلى غير رجعة، ليحل محلها الوسط التجاري المعروف بالسوليدير، المتبرج بالأضواء المصطنعة كشبح قادم من غبار الغيوم الكونية".
وأضافت أن "بيروت عاصمة لبنان، وأكبر مدنه، وهي شبه جزيرة تقع في منتصف الساحل اللبناني على المتوسط، حيث تتصاعد الأصوات الباحثة عن تاريخها. لقد أزيل مع مرور الزمن العديد من المواقع الأثرية التي تعود لما قبل التاريخ، عاكسة غياب الأدلة المتينة للحقب المتتالية، ومنها ما أزيل وهو لا يزال حيا يرزق في ذاكرة أجيال متواصلة، لذلك، حاولت بمعرضي أن أقدم ما يذكر ببيروت السابقة لكل الذين يرغبون في عودتها، ولا يريدون رؤية المزيد من الأبنية، والأبراج الشاهقة".

الملاك الذهبي
في "كيو كونتنبوراري" (Q-Contemporary)، جسد فادي اليازجي مكنونات ذاكرته الدفينة، وحبه لصورة الملائكة.
فقد أقام معرضا لعمله "الملاك الذهبي"، يقتصر على تمثال من الذهب لملاك.
ويقول اليازجي للجزيرة نت إن التمثال هو ٥٥٠ غراما من الذهب عيار ١٨ قيراطا، ويبلغ ثمن مادته 33 ألف دولار أميركي. لكنه غير معروض للبيع لأن التمثال تجسيد لرؤيته للملاك كفكرة أحبها ورغب في الاحتفاظ بها.
وأوضح أنه محب للتجديد، ويخشى الدخول في الرتابة، فالفن هو ذروة الحرية الخلاقة غير المقموعة، حسب تعبيره.
ولليازجي مشاركات في معارض جماعية في أوروبا والولايات المتحدة الأميركية والإمارات العربية المتحدة، ولبنان وسوريا حيث مسقط رأسه. وله معارض فردية بين ١٩٩٣ و٢٠١١ في الدول العربية المختلفة.
منبع التجريد
كما يعرض مطيع مراد في قاعة أيام معرضا تشكيليا تجريبيا تحت عنوان "عبر المرآة ٢"، يخوض فيه غمار التجريد المتزاوج مع نمنمات الفن الإسلامي، ليخرج صيغا خاصة به من الأشكال الهندسية غير المتناسقة، الممزوجة بتجريديات حداثية، تمكن من الدهشة والجمال والتعقيد.
ويحاول مراد إثبات أن أصول فن التجريد العالمي تنبع من المبادئ الأساسية للفن الإسلامي.
ومراد من مواليد حمص، وقد أمنت له جرأته في المغامرة الفنية موقعا متميزا داخل مشهد الفن المعاصر، وحقق لنفسه صيتا بين محبي الفن من العرب والأجانب، وتنتشر أعماله في دول عديدة شرقا وغربا.

انطباعية مضيئة
يعرض فؤاد جوهر انطباعياته في غاليري زمان، وهي تجديد لمعرض سابق طغت عليه الألوان، والصيغة، والأضواء عينها.
ضربات انطباعية مائية تنم عن تملك لضبط إيقاع الألوان في تناغمها بدقة، وبمهارة فنية منقطعة النظير.
وجوهر -وهو أستاذ للفن في معهد الفنون الجميلة بالجامعة اللبنانية- يؤمن بأن الفن يجب أن يخدم فرح الإنسان، ويشعره بالبهجة والسرور، ولا يحب أن يكون مبعثا للغم والحزن، بحسب تصريحه للجزيرة نت.
وجوهر جنوبي ابن صيدا، يروي أنه لم يكن يعرف الجنوب اللبناني قبل سنة ٢٠٠٠ بسبب الاحتلال الإسرائيلي، مضيفا أنه بعد التحرير قام بزيارات لمناطق الجنوب "الجميلة الزاخرة بالطبيعة الخصبة، والمناخات الحية المتنوعة، أشعرتني ببهجة غير مسبوقة، حيث تكسرت أضواء الشمس على أغصان الزيتون، وتناثرت موجات ضوئية على الأعشاب الخضراء. وكان كل شيء مبهجا، فأحببت أن يكون فني ناقلا لهذه البهجة للناس".