عباس بيضون يتصفح ألبوم خسائره

زهرة مروة- بيروت
في ثالث أعماله الروائية "ألبوم الخسارة" الصادر عن دار الساقي يجمع الشاعر والصحفي اللبناني عباس بيضون، مشاهد من سيرته الذاتية تماما كما فعل في عمله السابق "مرايا فرانكنشتاين" الذي تضمن تجربة إنسانية عميقة فيها من الغرابة بقدرما فيها من الوعي والتأمل.
الرواية الجديدة مقسمة إلى فصول وحكايات قصيرة، وكل حكاية تخبئ وراءها فكرة، وتعكس القصص هواجس الكاتب الكثيرة كالفرح والحب والخسارة أو الموت.
الكاتب يذهب إلى ما وراء الأحداث متأملا في فحوى الحياة ومعنى الموت، ويخبرنا ماذا عنت له كل حادثة |
الراوي والكاتب
الشخصية التي تلعب دور البطولة في "ألبوم الخسارة" هي الراوي العجوز، الشاب الذي كان قويا ومفعما بالحياة، يصارع الآن الشيخوخة مع قط ابنته العجوز أيضا "نينو". ولا يحب الراوي القط، ويتبرم منه لأن هذا الأخير يتصرف على سجيته في البيت، فيشعر العجوز أن القط هو السيد وما هو إلا ضيف عنده.
تتوالى الخسارات سواء في حياة الكاتب العائلية أو في حياته الشخصية، وتدخل شخصيات أخرى في سياق الرواية يستدعيها بيضون ليرصد عبرها تحولاته، شخصيات تختلف طباعها، فهناك الطيب والسياسي والشرير والمليء بالكراهية والمحب والمريض.
زاهي مثلا، "الدون جوان" الذي أصبح مقاتلا، وأصيب في معركة كان يحتاج إلى خيط بسيط من أجل أن يضمد جرحه، لكنه لم يجده ونزف دمه كله. "كان عليه أن يقفز مرارا فوق الخيط الذي ليس خطا بين الموت والحياة فقط، لكنه أيضاً بين القتلة والصادقين".
يذهب الكاتب إلى ما وراء الأحداث متأملا في فحوى الحياة ومعنى الموت، ويخبرنا ماذا عنت له كل حادثة. ويرصد لنا الأفكار التي راودته بعد حدوث كل حكاية.
الرواية مترعة بالسوداوية، فالشخصيات تتألم، تقف عند الحدود بين الحياة والموت، والحب أيضا يترافق مع الألم "كنت مستعداً لأن أدافع عن "أستريد" ضد الكآبة، ضد إعاقة ابن أو جرح علاقة سابقة أو حتى إدمان كحولي، أما السرطان فلست هنا. أخاف السرطان أكثر من مرضاه، أصدقائي الذين عانوه كانوا أشجع مني على مرضهم. ثم ماذا ينفع الحب مع السرطان؟".
هكذا يبقى هاجس الموت حاضرا، يلاحق الراوي أينما حلّ. "الألم الذي يجعل الحياة مجرد خوف من الموت، والذي يجعل من الخوف من الموت حياة وحيدة، الذي يجعلنا نفكر أن ذكرياتنا ستنتقم منا بعد أن نرحل، أنها ستلحقنا كالكلاب الضارية".
السرد يلعب دور البطولة في الرواية، أما الصور الشعرية فتأتي فقط عبر سياق السرد، تضفي حيوية وخيالا على الحكايات |
صفحات الحياة
"ألبوم الخسارة" إذا هو سيرة ذاتية تأحذ فيها الأنا دور البطولة، لكن هذه السيرة ليست واقعية تماما، لأنها تحوي على حكايات خيالية، وكذلك شخصيات خيالية يخترعها بيضون، مثل عيسى الذي سيقتل العالم. وهناك أيضا شخصيات يمتزج فيها الواقع مع الخيال، مثل إكرام التي يقول عنها بيضون إنها شخصية خيالية وواقعية في نفس الوقت.
فبالإضافة إلى "نينو" الذي يعتبر من الشخصيات المهمة في الرواية، والتي يسقط عليها الكاتب هواجسه من عجز ومرض وشيخوخة، هناك إكرام التي تغدو أيضا أداة إسقاط يسقط عليها الكاتب مشاعر من نوع آخر كالحب والجسد.
يقلّب بيضون صفحات حياته في "ألبوم الخسارة" غير ملتزم بتسلسل الأحداث الزمني. فأحيانا يستوحي قصصا من الماضي، متحدثا عن قضايا عائلية تخصّ أجداده القدامى، ثم يعود فيما بعد إلى الحاضر ويخبرنا عن أحداث حصلت معه.
يلعب السرد دور البطولة في الرواية، أما الصور الشعرية فتأتي فقط عبر سياق السرد، تضفي حيوية وخيالا على الحكايات، كما تضفي السخرية أيضا وروح الفكاهة التي يمتلكها بيضون جوا من المرح على النصوص، وتجعلنا نضحك ونحن نتألم.