القوة الناعمة في الربيع العربي

زهرة مروة-بيروت
في كتابه الجديد "ثورات القوة الناعمة في العالم العربي.. نحو تفكيك الدكتاتوريات والأصوليات"، يقدم المفكر اللبناني علي حرب قراءات من زوايا مختلفة في الانتفاضات المتسارعة التي هزت الوطن العربي والتي يراها ستنقل العالم العربي إلى عصر جديد.
ويعتبر حرب في كتابه الصادر عن الدار العربية للعلوم – ناشرون، الثورة حدثا كبيرا يغير المعطيات والموازين ويجعل المستحيل ممكنا، ويعتقد بأن هذه الثورات لن تكتفي بإسقاط الدكتاتورية وإعادة الحرية، بل ستؤدي إلى بناء عالم عربي مختلف في قيمه ومعالمه. و يركز خاصة على ما يحدث في تونس ومصر، لأن الثورة في هذين البلدين أتت بنتائج سريعة وبأقل خسائر ممكنة.
لم يأت هذا الحراك الشعبي من الأحزاب السياسية، بل من خلال فئة الشباب التي جاءت من خارج كل هذه القوالب |
ثورة الشباب
ويؤكد المفكر اللبناني أن العالم العربي رغم أنه وصل إلى مأزق كبير منذ فترة طويلة على جميع الأصعدة، فإن العرب تأخروا في الانتفاضة وفي المطالبة بالحرية كما حصل في بلدان أخرى، فرغم سقوط الأنظمة الاشتراكية في أوروبا مع انهيار الاتحاد السوفياتي، بقيت الأنظمة العربية متماسكة مع التشابه في الأنظمة الاقتصادية والأمنية بين البلدان.
ويرى أن هذه الثورات أتت نتيجة الكبت والظلم، فهبّت الشعوب في البلدان العربية تنشد تغييرا في أنظمة الحكم وكيفية ممارسة السلطة، وفي طريقة تعاطي الدولة مع الحقوق والحريات. وقد اعتمد شباب الثورة القوة الناعمة ولم يعتمدوا العنف الذي يبدّد الأحلام ولا ينتج سوى العنف، حسب حرب.
كما لم يأت هذا الحراك الشعبي -حسب رأيه- من الأحزاب السياسية، بل من خلال فئة الشباب التي جاءت من خارج كل هذه القوالب، وقد استفادت من المناخ السياسي الذي ولد بعد سقوط الاتحاد السوفياتي. كما أن الثورة الرقمية وفرت لهم إمكانات هائلة للتواصل بعيدا عن رقابة الأنظمة.
ويعتبر حرب أن ديمقراطية الشباب الميدانية الحية هي التي أسقطت الأنظمة وفتحت المجال للجميع للتكلم بحرية، وبرأيه فإنه لولا ثورة الشباب لما وصل الإسلاميون إلى الحكم، ولما فازوا في الانتخابات بمصر وتونس والمغرب، بدليل -كما يرى- أنه عندما بدأت الثورة في مصر يوم 25 يناير/كانون الثاني الماضي لم يكن اليساري ولا الإسلامي في الميدان.
علي حرب: بعد هذه الثورات أصبح الأصوليون أمام تحد كبير، لذلك عليهم بالتواضع والنسبية والاعتدال والمرونة والانفتاح |
ضرورة التفاعل
كما يشيد المفكر اللبناني بأهمية الثورة الشعبية التي حدثت في اليمن وفاجأت باقي الدول العربية بقوله "كنا نظن أن (جمهورية) اليمن متخلّفة ومتقاعسة، لكنها شهدت ثورة شعبية واسعة، والعامل الملفت في هذه الثورة هو مشاركة النساء ونزولهم إلى الشارع، وهذا ما جعل اليمن يبدو أكثر تحضرا من باقي الدول العربية".
ورغم أن اليمن -حسب رأيه- يضم "أصوليين" أكثر من تونس ومصر، فإن هؤلاء "الأصوليين" كان وزنهم ضعيفا في الحراك الشعبي، وهذا ما دفع بالثورة إلى الأمام.
ويؤكد حرب في كتابه على أهمية الحوار والتآزر والتواصل بين مختلف المكونات، ويشير إلى أن "كل فكر أصولي أحادي، وكل عنوان يتم التعامل معه كحقيقة مطلقة ونهائية وبعقل أصولي، وكل مشروع يقوم على احتكار الحقيقة والسلطة.. مآله هذا الخراب الذي يحدث الآن".
ويرى أنه "بعد هذه الثورات أصبح الأصوليون أمام تحد كبير، لذلك عليهم بالتواضع والنسبية والاعتدال والمرونة والانفتاح، وعليهم أن يعتمدوا منطق التجديد لأنه لا تنمية بلا تجديد، وهذا ما حصل في تركيا".