"ربيع الثقافة" في الانتخابات الأدبية السعودية
ياسر باعامر-جدة
ربما لم تكن انتخابات مجالس الأندية الأدبية السعودية -التي بدأ التصويت فيها عبر عدة مراحل اقتراع لاختيار أعضاء مجالس جديدة- بعيدة بحال من الأحوال عن أجواء "الربيع العربي" السياسي.
فقد كانت هذه الانتخابات في الشق المقابل "ربيعاً ثقافياً" رغم حالة الشد والجذب التي لا تزال حتى اليوم في رؤية المثقفين السعوديين المتباينة لهذه الانتخابات التي تمت تحت إشراف وزارة الثقافة والإعلام، والتي بدأت منذ يونيو/حزيران الماضي وتنتهي نهاية الشهر الجاري لانتخاب آخر مجلسين في الطائف والحدود الشمالية التي يبلغ عددها 13 نادياً.
حدثان جديدان تميزت بهما هذه الانتخابات الأول تنحية أسماء كانت تملك كاريزما ثقافية في الوسط السعودي سيطرت على المشهد المحلي، فيما الأمر الثاني وصول "أسماء جديدة" على سطح المشهد الثقافي -خاصة من بعض المنتمين للتيار الإسلامي- إلى سدة بعض أهم مجالس الأندية الأدبية، كما حصل في جدة ومكة المكرمة والمنطقة الشرقية، وفقاً لما أشار إليه الباحث الثقافي نايف كريري.
الأمر الذي برره كريري -في حديث للجزيرة نت- بأنه "إفساح المجال لشخصيات جديدة لتقدم ما بوسعها للحركة الثقافية في المملكة، والتجديد في الدماء الثقافية العاملة هو المطلوب سواء كان ديمقراطياً حقيقياً أو صورياً".
ويضيف أن "وجود الأسماء الجديدة في المشهد الثقافي من خلال هذه الانتخابات سيترتب عليه كثير من الأمور، من أهمها في نظري الوعي الشمولي بالمشهد الثقافي الداخلي والخارجي، والاستيعاب لجميع أطياف المجتمع الثقافي وغير الثقافي، وهو ما أخفقت في بعضه أو كله بعض المجالس الماضية للأندية الأدبية، مما سبب خللا كبيرا في مشهدنا الثقافي".
جدل فوز الإسلاميين
جدل فوز الإسلاميين أثار لغطاً واسع النطاق في المشهد المحلي بلغ أوجه من خلال المقالات الصحفية وصفحات التواصل الاجتماعي (فيسبوك وتويتر) التي تنتقد وصول شخصيات محسوبة على الخط الإسلامي، ستعطي –وفقاً لتلك الآراء- في خطابها الثقافي "صبغة أيديولوجية" لم يتعود عليها المشهد الثقافي، مذكرين بحالة الصراع بين الحداثيين والإسلاميين الثقافية في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي.
أحد المرشحين الفائزين على "بند الاحتياط" وعضو الجمعية العمومية بنادي جدة الأدبي الدكتور عادل بن أحمد باناعمة انتقد -في حديث للجزيرة نت- تلك التجاذبات وما تثيره من تصنيفات تفتقر إلى الأسس التي قامت عليها تلك الانتخابات، قائلا إن الشخصيات الفائزة استوفت شروط خوضها بشكل نظامي.
كما يقول باناعمة -الذي يشغل منصباً أكاديمياً في جامعة أم القرى بمكة المكرمة- إن مستقبل تلك المجالس الجديدة في رسم الحالة الثقافية الجديدة مرهون بخطين منفصلين، هما "عدم الحكم المسبق، وإعطاؤها الفرصة لتقدم خططها وبرامجها".
وأما عما يشاع في الانتخابات الحالية من إزاحة أسماء ثقافية قديمة عبر تكتلات الإسلاميين، فقد دافع باناعمة عن ذلك بقوله إنه لم تكن هناك أي مخالفات تتجاوز نظام انتخابات الأندية إطلاقاً، موضحاً أن الأسماء القديمة جربت برامجها ولم تخرج عن قطاع النخبوية التي كانت منقطعة عن المجتمع تماماً، لذا أحب الناخبون تجربة إدارات جديدة يمكن أن تفعّل دور هذه الأندية بعيدا عن تلك النخبوية.
الربيع العربي
ثم يتساءل باناعمة في حديثه الثقافي لكن بصبغة سياسية هذه المرة "لماذا نستكثر على تلك الأندية وجوها جديدة رغم أن المشهد السياسي في ربيعه العربي استبعد أسماء كبيرة على المستوى السياسي والإعلامي وحتى الثقافي؟، فالرهان على الأسماء الكبيرة لم يعد له مكان مع الاحتفاظ بحق التقدير والاحترام الشخصي، وعدم فوزها لا يقلل من مكانتها إطلاقاًَ".
وكيل وزارة الثقافة والإعلام السابق الدكتور أبو بكر باقادر -الذي كان مرشحاً في أحد تلك الأندية- انتقد بدوره "اللغط الكبير" المصاحب لتلك الانتخابات، خاصة ما أشيع عن تكتلات للإسلاميين في بعض المجالس، بقوله إن الانتخابات كانت نزيهة وديمقراطية، وليس هناك ما يمنع في نظام الانتخابات وجود التكتلات بالطرق الشرعية، مضيفاً أنه ينبغي قبول النتائج لأنها كانت مقنعة، ويتعين انتظار برامج تلك المجالس قبل إصدار الحكم عليها.
إلا أنه حذر المجالس الجديدة من تمييز خطابها بشكل معين أو بمضمون محدد، خاصة فيما أسماها حالة "التدافع الثقافي المحلي"، الميزة التي تتسم بها الحالة الثقافية السعودية، مؤكدا أنها "ليس أمامها سوى الإيمان بالتنوع".
كما طالب باقادر وزارة الثقافة والإعلام "بتطبيق معايير صارمة على صرف الميزانية المالية الذي يتم عن طريق هذه الأندية".
تفاصيل مختلفة
أما الباحث كريري فكانت له وجهة مختلفة عن الآخرين، بقوله إن كثيرا من المثقفين والمهتمين بهذا الشأن في المملكة ظنوا أن انتخابات الأندية الأدبية ستكون ربيعاً ثقافياً في المشهد الثقافي السعودي، وذلك أسوة بالربيع السياسي العربي، ولكن شيئاً من ذلك لم يحدث، بل إن العملية الانتخابية التي أجريت في بعض الأندية الأدبية كانت عبارة عن فقاعة ديمقراطية ليس إلاّ.
وتحت عنوان "الأندية الأدبية السعودية إلى أين؟" أنشأ عدد من المثقفين مجموعة مفتوحة في فيسبوك وصل عددها إلى 315 عضواً ناقشوا فيه تداعيات تلك الانتخابات، حيث قال الدكتور محمد عثمان الثبيتي إنه على الرغم من أن المنطقة الشرقية من البيئات المنفحة ثقافياً منذ القدم فإن تمثيل المرأة خالف هذه المزية.
أما الشاعر غرم الله الصقاعي فرأى أن الانتخابات كشفت فهمنا للثقافة وللمؤسسة، قائلاً إن الانتخابات كفعل تحتاج للكثير حتى يتم تشربها بوعي، وحتى تستطيع قول كلمة الثقافة فيها.
وأضاف أن أي انتخاب لأفراد لا يقدمون مشاريع أو برامج هو انتخاب يقوم على القرابة والصداقة والمصلحة، ورأى أن شروط اللائحة تجعل كل الناس لهم الحق.
وأشار إلى أن كل هذه السلبيات تنتج عملاً ناقصاً وفعلاً قبلياً أو فعلاً شكلانياً، وتساءل عن المخرج بعد أن جاءت الانتخابات بنتائج لا تختلف عما تقوم به الوزارة في التعيين.