أدباء ليبيا يباركون براكين الغضب

وقال الشاعر سالم العوكلي إن ثورة الشعب التونسي شكلت استجابة لحلم الشعراء بالحرية وبإيمانهم بإرادة الإنسان، وتحول ذلك الزحام إلى مشهد جمالي ملهم الذي يتشكل من أجل قضية هي كرامة الإنسان.
وأكد أنه عبر التاريخ كان هناك ارتباط وثيق بين الإبداع عموما والثورات الشعبية، وهو انعكاس لارتباط وجودي بين الإبداع وأحلام الناس، وبين المبدع وسؤال الحرية الذي شكل هاجسا رئيسا لمعظم الأعمال الإبداعية، حسب تعبيره.

وأضاف أنه على مر التاريخ كان هناك ارتباط آخر بين الإبداع والشعر خصوصا والأنظمة "القمعية"، لكنه غالبا ما يأتي في إطار تبادل مصالح آنية تجعل مثل هذه الكتابات تختفي باختفاء من قيلت فيهم.
ولفت الشاعر الليبي إلى أن الشاب التونسي محمد بوعزيزي كان شاعر تلك اللحظة، حيث قدم من هامش الهامش لكنه رفض إهانة كرامته.
من جهته يرجح القصاص والمترجم والسجين السياسي السابق عمر أبو القاسم الككلي أن تأثير الأحداث الجارية على النصوص الإبداعية لا يحدث بسرعة فورية، فقد يجوز هذا بالنسبة لنوع خاص من الشعر، هو الشعر التحريضي، ولكن الإنتاج الإبداعي، عموما، يحتاج إلى قدر من الاختمار والتأمل بعد استقرار الأوضاع.

وأكد أن هذه المرحلة متميزة في الأدب العربي المعاصر، ذلك "أننا منذ أكثر من 60 سنة لم نتعود تقريبا إلا على الأدب المتأثر بالنكبة ثم النكسة ثم الانهيار الشامل للنظام السياسي العربي، ورجح أنه جاء الآن دور الأدب المتأثر بانتصار الديمقراطية وحقوق الإنسان.
وقال الككلي إن الأنظمة العربية جمعاء لم تشع في مجتمعاتها، عبر عقود مديدة، سوى القمع والرعب والإذلال والفساد المعلن، على نحو أهدر الثروات الفكرية والمادية لهذه المجتمعات التي كلما آثرت الهدوء والصبر وتجنب الأزمات ازدادت الأنظمة طغيانا وتغولا عليها وأمعنت في إذلالها والحط من كرامتها.
وتلهم لحظة انتحار البوعزيزي القاص أحمد يوسف عقيلة، ويقول في حديث مع الجزيرة نت "يا لها من لحظة عاطفية مشحونة، أن يتحول مواطن شاب مقبل على الحياة إلى كتلة من اللهب.. وبقدر ما طرح المواطن الملتهب سؤالا كبيرا.. بقدر ما قدم إجابة عن القهر المتراكم منذ عقود".
وأضاف "البوعزيزي قال بكل وضوح اللهب وحرارته للأنظمة الحاكمة: إذا كنتم تملكون البوليس بكل أدواته القمعية فأنا أملك جسدي القابل للاشتعال.. وأن القهر وقود يكفي لإحداث الشرارة.. وأن الصفعة تعود دائما على صاحبها.. وأن الصبر فضيلة محدودة الصلاحية.. وأن النار في صقيع الأنظمة المحنطة أكثر جذبا وجدوى من خطابات الزعماء الطويلة التي لا تقول شيئا".

أما الكاتب والشاعر الحبيب الأمين فيتناول دور المثقف ويقول إن تصدير فكرة التحلل من الدور الرمزي والوعظي للمثقف التقليدي التي تساور بعض المثقفين لا تفيد إلا في نسخ التطابق مع فكرة الزعامات وتقلبات أنظمة الحكم العربية في المسار والموقف بالمطلق التي غادرت موضة النضال وتحررت من تراثها البطولي إبان عهود المنصة وخطابات الراديو المطولة وباتت عارية من أي ورقة توت تستر عوراتها ويكنس فظائعها للإنسانية.
ويؤكد الأمين أن الراهن العربي وما يشهده من ثورات شعبية على السلطات في تونس ومصر هو مشهد لا يستدعي الرصد الصحفي الإخباري بالنسبة للمثقف واستهلاكه بالتداول "بل هو مغرم ومرغم بالتعاطي والتفاعل" مع تلك التحولات. ويشدد على ما ترابط ما يسميه الارتباط العضوي بين ثالوث الحرية والرأي والضمير.
ويضيف "لا يمكنني بالفعل والقول إلا الانحياز لثورة أبناء الجيل وشعوب الأمة التي كلت وملت وبلغ منها الظلم الاجتماعي والأبوية السياسية الفاشلة مبلغ الجسد والروح"، مشيرا إلى أن الشعوب مضطرة للثورة وهي ترى كرامتها تهدر ودماءها تسفك وحرياتها تحاصر وحياضها يهدم وعزتها تداس.
من جهته يرى الشاعر حسام الوحيشي أن المثقف الذي يرهن صوته بالسلطة فهو ساقط لا محالة، أما الشاعر الذي يكتب الشعر الحقيقي فإنه يكتب قصيدته "لتكون وطنا مسبلا خارج القضبان فتصل للمواطن الحر بل وتصنع المواطنة التي هي فعل تحليق، فعل حرية".

أما الشاعر عبد الوهاب قرينقو فقال إنه عند بداية "انتفاضة الياسمين" التونسية تحمس أدباء ليبيا ومثقفوها لهذا الحِراك المجاور وبارك الشعراء إرادة الحياة الكريمة، لكن مع التغيرات الدراماتيكية المتسارعة وانتقال الانتفاضة إلى مصر يوما بعد يوم "لاحظنا التهميش الإعلامي الكبير لرأي المثقف الليبي وموقف الإعلامي الليبي، وحتى المدون الليبي وهنا عبر الجزيرة نت تأتي المبادرة الأولى ومن صحفي ليبي على كل حال".
وتحدث قرينقوا عن تونس، وقال إنه من المهم تحقيق الخطوة الأولى في سبيل تحقق الحرية والديمقراطية للشعب التونسي، ولكن الخطوة الثانية معلقة في الهواء لم تتحقق بعد.