رحيل أوبنهايم فنان "الأرض والجسد"

30/1/2011
أنطوان جوكي
توفي في نيويورك دنيس أوبنهايم الذي يعد أهم وجوه الفن الأميركي المعاصر وأكثرهم خصوبة وتجريبا. واشتهر هذا الفنان بأسلوبه الذي اتخذ من سطح الأرض مكانا للرسم والتدوين، وهو أحد مبتكري "الفن الجسدي".
وولد أوبنهايم في إيليكتريك سيتي (واشنطن) عام ١٩٣٨، ودرس الفن في جامعة ستانفورد قبل أن يلمع نجمه في نهاية الستينيات كأحد مبتكري "الفن الجسدي" (Body Art) و"الفن الأرضي" (Land Art).
واعتبر هذا النمط مكملا لعمل الفنانين التصوّريين (conceptuels) الذين سبقوه في تلك المواجهة مع الطبيعة وفي استخدامها مادة العمل الفني وفضائه، مثل كريس بوردن وروبرن سميثون وبروس نومان وجوزيف بويس.
وعلى أثر لقائه بسميثون وفيتو أكونشي في نيويورك، بدأ أوبنهايم العمل داخل فضاء جمالي مفتوح ومتحوِّل، مرتكزا على قاعدة نظرية وفكرية صلبة ومركزا في جهده على إبراز صيرورة الإبداع بدون الاهتمام "بالعمل المنجز"، أي بدون هاجس ابتكار "قطع" فنية، الأمر الذي يُسائل وظيفة الفن ودور سوقه التقليدية.
ومنذ البداية، اعتبر هذا الفنان سطح الأرض مكان رسم وتدوين بامتياز، ينتشر عليه نظام معقد من العلامات والخصوصيات التي لا بد من فهمها. وفي هذا السياق، قام في مرحلته الأولى (١٩٦٧-١٩٦٩) بسلسلة أعمال نتج عنها نقل معطيات توبوغرافية من مكان إلى آخر ضمن هاجس خلق رابط ديناميكي بين الموقع والمعالم التي تميزه.
إعلان
ففي عمل "حلقات سنوية" رسم الفنان دوائر مركزة على الجليد المحيط بمجرى ماء. وفي عمل "تقسيم الحدود" قام بحفر الجليد بطريقة سمحت للمياه بالتدفق كنبع، ولتحقيق بعض أعماله، مثل "توجيه البذر" و"إلغاء المحاصيل"، لم يتردد في استخدام جرّافة.

أما هدف جميع هذه الأعمال فهو طرح مسألة تدخل الإنسان في أمور الطبيعة. ولحفظ آثار "تدخلاته"، استخدم أوبنهايم التصوير الفوتوغرافي أو السينمائي مانحا صوره وأفلامه قيمة الوثيقة والعمل الفني القائم بذاته.
وبين العامين ١٩٦٩ و١٩٧٢، انطلق في سلسلة نشاطات أدائية يلعب جسده فيها دورا محوريا، كما في عمل "مواد قابلة للتبديل" الذي قام فيه بكسر أحد أظافره بين لوحي خشب، أو في عمل "إجهاد مواز" الذي وضع فيه جسده في حالة توازن هش بين قالبي إسمنت، أو في عملي "اهتزاز حلقة الخوف" و"درع ممدد" اللذين جلبا له صفة "دنيس المهدد" التي رافقته حتى وفاته.
لكن عمله الأهم في تلك المرحلة هو دون شك "حماية" الذي وضع فيه كلاب حراسة أمام مدخل متحف بوسطن، رابطا في ذلك الترويض والتهديد، الفنان والكلب، الميدان الاجتماعي والمتحف.
وانطلاقاً من العام ١٩٧٢، توارى أوبنهايم من فضاء أعماله لصالح أشياء عادية قام بإخراجها بطريقة تخلق حالة من القلق لدى المتأمل بها، كما في عمل "سقوط غرفة" (١٩٧٩) الذي نشاهد فيه ارتفاع غرفة مصعد بشكل بطيء ثم سقوطها بعد لحظة ثبات قصيرة، أو في أعمال أخرى كثيرة نرى الأشياء فيها مثبتة بالمقلوب أو بتوازن هش.
المصدر : الجزيرة