شباب القدس يحرسون المدينة بالصور

معرض يوميات يعبر فيه الشباب المقدسي عن هويتهم وهمومهم.JPG
إحدى المشاركات بمعرض "يوميات" الذي يعبر فيه الشباب عن هويتهم وهمومهم (الجزيرة نت)

ميرفت صادق- رام الله
 
الصبية غرام كسواني التي تقترب من عمر الرابعة عشرة، وأنس دقاق الذي يبلغ السابعة عشرة، انخرطا مؤخرا في ورشة للتدريب على تسجيل يومياتهم في مدينة القدس، عبر تصوير مشاهد من حياتهم اليومية.
 
 وفي الورشة التي نظمتها مؤسسة "المعمل" الثقافية بالبلدة القديمة للمدينة، تعرفت غرام وأنس ومعهما تسعة شبان آخرين بمساعدة الفنان الألماني مارتن ليبيودا، على كيفية اختيار المشهد والنظر إلى ما يدور حولهم بصورة مغايرة وأكثر عمقا وتدوين ذلك في مذكراتهم اليومية بشكل مصور.
 
وفي المحصلة، لم تعد القدس وأماكنها بالنسبة لهؤلاء الشبان مجرد مدينة يعيشون فيها، "صارت يومياتنا هي شوارعها وأزقتها وحوانيتها… ولكل زاوية فيها معنى في حياتنا الشخصية والعامة" كما تقول غرام.
 
وعلى جدران المركز الثقافي الفرنسي بمدينة رام الله، علقت قرابة عشرين صورة من يوميات الشبان المقدسيين، ابتداءً من مشاهد أصدقائهم وأشقائهم وهم يدرسون لامتحاناتهم المدرسية والجامعية، ومرورا ببوابات الأقصى وأسوار البلدة القديمة، وظلال أشجارها وناسها.
 
وتقول غرام كسواني، عن تجربتها في تسجيل يومياتها المسافرة من ضاحية بيت حنينا شمال المدينة إلى مدرستها في البلدة القديمة، "كنت أمر يوميا من هذه الأماكن، فلا يلفتني فيها الكثير، اعتدت عليها وكأنني أحفظها عن ظهر قلب..".
 

صورة تبرز ظلال الشباب قرب أسوار الأقصى (الجزيرة نت)
صورة تبرز ظلال الشباب قرب أسوار الأقصى (الجزيرة نت)

نظرة مختلفة

لكن بعد تجربة تصوير اليوميات، تقول غرام: "صارت نظرتي مختلفة تماما للمكان، وصرت أحب البلدة القديمة أكثر، وصار لدي ولع بزيارتها يوميا والالتفات إلى كل ما فيها، البضاعة كيف يتم رصفها على بوابات المحال التجارية، ومرور الناس في السوق، وجلوس التجار على كراسي ببواباتهم… كل زاوية فيها مشهد وحكاية".
 
ومن بين المشاهد التي أحبت غرام نقلها، فتيات يشترين أكواز الذرة قرب باب الخليل في القدس، وظلال صديقاتها والأشجار وقت الغروب قرب سور البلدة القديمة التاريخي.
إعلان
 
وغرام التي تريد أن تصبح طبيبة أطفال، تسعى لتنقل للناس من خلال يومياتها الوجه الأصعب للقدس، "وكله معاناة وخوف خاصة إذا ما خطط أحدهم لزيارة ما خارج المدينة، أو جاء من ضواحيها إلى مركزها.. في كل انتقال هناك تربص أمني من شرطة الاحتلال".
 
وتتذكر الصبية آخر زيارة لها من القدس لمدينة رام الله، حيث أُنزِلت مع عائلتها من الحافلة ليلا على حاجز قلنديا، واحتجزت ساعات طويلة بسبب عدم اقتناع الجنود بأنها أقل من العمر الذي يتيح لها أن تحمل "بطاقة هوية".
 
أما أنس دقاق، فلا يغيب عن خاطره مشهد إيقاف الجنود لأحد زملائه في الصف الحادي عشر أثناء ذهابهم الصباحي لمدرستهم في قلب البلدة القديمة، "حين ظل الجنود يضربونه حتى سقط أرضا ونقل إلى المستشفى ليمكث هناك أسبوعين.. وكل ذلك بدون سبب، فقط تبلّي".
 

حياتهم اليومية تختلط بواقع الاحتلال
حياتهم اليومية تختلط بواقع الاحتلال

صور الجنود

ولذا، اختار أنس أن يسجل في يومياته، صور الجنود "من بعيد" ولقطات لبوابات الأقصى ومعاناة الناس يوم الجمعة خاصة بسبب التفتيش الأمني ومنع الشباب من الدخول غالبا.
 
ويقول أنس: "بعد أن تعلمت مهارات التصوير، شعرت بأنني أتعرف على المكان من جديد، وصار لدي اهتمام يومي بالوصول إلى البلدة القديمة خاصة وتصوير يومياتها..".
 
ومن بين ما التقط أنس، وهو من مخيم شعفاط شمال القدس، صور لسوق عين الزيت وباب الخليل (أحد بوابات المسجد الأقصى)، وسوق الواد الذي صادر المستوطنون غالبية دكاكينه ومنازله.
 
ورغم أن الحديث يدور عن "يوميات شخصية"، يقول أنس: "حاولت تصوير أشياء من حياتي، لكن وجدت أن حياتي جزء من المدينة التي أمر بها يوميا إلى المدرسة وأعود منها".
 
وأراد هذا الشاب، إلى جانب صقل هوايته في التصوير الفوتوغرافي، أن تكون ورشة التصوير فرصة كي ينقل صورة القدس الحقيقية للعالم الخارجي.
ويرى: "أن الصورة التي تنقل للسياح عن القدس مغايرة، حيث يتاح لهم الوصول إلى مناطق معينة وبعيدة عن معاناة الفلسطينيين وعن مشاهد الجنود والقمع..".
إعلان
 
ثم يقول: "لا أحد يستطيع تخيل معاناة الشباب المقدسي،  بينما الإعلام الأجنبي يصور الفلسطينيين في القدس بأنهم خطر على إسرائيل فقط ولا يري العالم معاناتهم".
 

"
تظل مشكلة البطالة والفقر المدقع أكبر هاجس للمقدسيين، حيث إن 66% من العائلات المقدسية تقع تحت خط الفقر، وذلك تبعا للإحصاءات الإسرائيلية نفسها، ويشكل الشباب والأطفال نحو 74% من هؤلاء الفقراء

"

قدرة التعبير

وتسعى هذه الورش الفنية، حسب المسؤولة في مؤسسة المعمل جمانة عبود إلى إدخال الجيل المقدسي الشاب في دائرة القدرة على التعبير عن أنفسهم والخروج من فضاء المدينة الضيق.
 
وتقول جمانة إن الهدف ليس الخروج بشباب محترفين في قطاعات فنية، وإنما تحفيزهم على إنتاج الأعمال الفنية عن طريق التعبير الذاتي عن هويتهم وعن حياتهم الشخصية والإنسانية والسياسية معا.
 
وحسب تقديرات دائرة تنمية الشباب في بيت الشرق بالقدس، فإن الشباب يشكلون 18% من عدد السكان المقدسيين عامة البالغ 363 ألفا داخل المدينة وفي ضواحيها المعزولة بجدار الفصل العنصري.
 
ويعيش داخل القدس نحو 40 ألف شاب يعانون أساسا من مشاكل الفقر والبطالة ويواجهون تحديا ثقافيا في الحفاظ على هويتهم الفلسطينية، أمام سياسة تهويد المدينة جغرافيا وسياسيا وثقافيا ودينيا.
 
ويوضح مسؤول دائرة تنمية الشباب في بيت الشرق مازن الجعبري أن الاحتلال يشكل التحدي الأكبر للشباب المقدسيين، من خلال عزل القدس عن الضفة ومحدودية الفرص التي يفرضها هذا الواقع عليهم، إلى جانب مصادرة الحقوق الفلسطينية داخل المدينة كاملة.
 
وعلى الصعيد الشخصي، يعتقد الجعبري أن أهم مشكلة تواجه الشباب المقدسي هي الشعور بالاغتراب داخل مدينتهم نتيجة ضغوط الاحتلال عليهم للانفصال عن بيئتهم الفلسطينية، الأمر الذي يضعهم في حالة عدم استقرار بسبب شراسة الهجمة الأمنية بالقتل والاعتقالات والحواجز الدائمة.
 

يصور الشباب المقدسيون مدارسهم الفقيرة(الجزيرة نت)
يصور الشباب المقدسيون مدارسهم الفقيرة(الجزيرة نت)

خط الفقر

وتظل مشكلة البطالة والفقر المدقع أكبر هاجس للمقدسيين، حيث يشير الجعبري إلى أن 66% من العائلات المقدسية تقع تحت خط الفقر، وذلك تبعا للإحصاءات الإسرائيلية نفسها، ويشكل الشباب والأطفال نحو 74% من هؤلاء الفقراء.
 
وبالمقابل، تتلقى المؤسسات الأهلية العاملة في أوساط الشباب المقدسي اهتماما محدودا في أجندة تمويل المشاريع، في ظل غياب المؤسسات التابعة للسلطة الفلسطينية بالقدس بسبب حظرها من الاحتلال.
إعلان
 
ويوضح الجعبري أن محاولات المؤسسات الأهلية توفير برامج لا منهجية رياضية وثقافية وتدريبية لا تتم بصورة كافية ولا يكتب لها الاستمرار لأنها تحتاج لإمكانيات مادية كبيرة.
 
ويقول الجعبري إن معظم المؤسسات التمويلية المهمة تتجاوز دعم المشاريع للفلسطينيين في القدس، وخاصة مؤسسات الأمم المتحدة التي تتجاهل دعم المشاريع الفلسطينية كي لا تختلق مشاكل مع إسرائيل، في حين تقدم المؤسسات العربية دعما محدودا وغير مباشر عبر مؤسسات أجنبية.
المصدر : الجزيرة

إعلان