"الطوايط".. مهرجان سنوي للمؤاخاة بين الأمازيغ والعرب

الحسن سرات-السهول-الرباط
مرة في كل عام تلتقي قبائل عربية وأمازيغية متجاورة بالمغرب في مهرجان شعبي يسمى "الطوايط"، وتتناوب القبائل الضيافة والاستقبال فتتكفل إحداها باستقبال الأخرى في مستقرها هذا العام على أن تتكفل القبيلة الثانية بالأمر نفسه العام الموالي.
في هذه السنة تستضيف قبيلة أولاد بورزين العربية بمنطقة أربعاء السهول -البعيدة عن الرباط حوالي 32 كلم شرقا- قبيلة "جناتن آيت علا" الأمازيغية طيلة خمسة أيام بدأت يوم 15 أغسطس/آب الجاري.
ويجسد الموسم السنوي لحظات الحرب والعداوة ثم الصلح والتآخي حيث وقعت القبيلتان وثيقة أخوة وحلف توارثها الأحفاد عن الأجداد منذ أكثر من ثلاثة قرون ولا تزال بعض بقاياها محفوظة عند المسنين.
مؤاخاة دائمة

وحسب توضيحات أدلى بها للجزيرة نت كبار السن من الرجال في المهرجان، فإن "الطوايط" و"طاطا" مصطلح متوارث يشير إلى الأخوة الدائمة بين عائلات بأكملها من كلا القبيلتين والتي صار بموجبها "التوارث بين الأسر حلالا بل واجبا والتصاهر حراما إلى يوم القيامة".
الدكتور نور الدين بلحنشي عضو بلدية السهول وابن المنطقة أوضح للجزيرة نت أن عمر مهرجان الطوايط أكثر من ثلاثة قرون، وأنه وضع حدا لحالة الحرب التي كانت قائمة بين القبائل حول الأرض والماء والمواشي. وأضاف أن الروايات المتوارثة بين الناس تتحدث عن أخوة بالرضاعة بين القبائل اقترحها علماء وحكماء القبيلتين، فأرضعت نساء قبيلة أطفال القبيلة الأخرى، ثم وثقوا الحلف والأخوة في وثيقة.
الجيلالي وازة وابنه أحمد بن وازة أوضحا للجزيرة نت أن اتفاقية الطوايط توجد في المناطق الممتدة من الرباط والدار البيضاء وحتى مدينة الخميسات، بصيغ وأشكال أخرى.

تجديد الأخوة
ولتجسيد المهرجان، تبيت القبيلة المستضافة في العراء قبيل انطلاق الحفل، وفي الصباح الباكر "تزحف" على القبيلة المستقبلة في صفوف متتابعة والنساء يرددن أغاني الأخوة والعودة، وفي الجهة الأخرى يصطف النساء والرجال مرددين أغاني الترحاب والضيافة.
ثم يبدأ مشهد تمثيلي يجسد فترات الحرب ثم التفاوض ثم توقيع عهد الأخوة والسلام، فيخلع الجميع أحذيتهم ويمشون على الشوك والتراب ورؤوسهم منحنية إلى أن يتبادلوا العناق والقبل فيما بينهم، ليسير الجميع في موكب واحد نحو الخيام المعدة سلفا.
ويصر على حضور المهرجان، الذي تنظمه القبيلتان دون مساعدة السلطة، أفراد من مدن مختلفة بالمغرب لهم "طاطاتهم" في هذه القبيلة أو تلك، وحكى ابن وازة للجزيرة نت كيف وجد بعضهم تائهين فأرشدهم إلى إخوتهم.
وتتكفل بالجانب التنظيمي فرق تسمى "عبيدات الرمى" وهي فرق فنية تنشط المهرجان من أوله إلى آخره ويتوارثها الأبناء عن الآباء. وحسب بلحنشي، وهو أيضا طبيب نفساني بسلا، فإن هذه الفرق كانت تحرض الجيوش وتبث فيهم الحماسة، كما كانت تقوم بدور المحرض في عملية مطاردة الصيد.
الحفرة المقدسة

وتعتبر "الحفرة" أهم خصائص المهرجان، وهي مكان صغير توضع فيه جميع المفقودات والأشياء الضائعة بالموسم مهما كانت قيمتها. ويعتقد الناس أن الحفرة مقدسة وأنها تفضح كل من عثر على شيء ثم لم يضعه فيها.
ويتداولون فيما بينهم قصصا لأفراد انفضح أمرهم بسبب سرقاتهم. ويسود الأمان طيلة المهرجان فلا يخشى أو يسرق أحد أحدا. وللحفرة وظيفة أخرى لدى الفتيات، إذ تقف الراغبة في الزواج أمامها سائلة الله أن يمن عليها بزوج صالح في القريب العاجل.
وللمهرجان أنشطة أخرى تتوزع بين ألعاب الفروسية وسهرات فنية لعبيدات الرمى وتبادل الزيارات بين العائلات وذبح الذبائح وإكرام الضيوف.