البونساي فن نحت الأشجار الأسيوية بماليزيا

محمود العدم-كوالالمبور
في زاوية صغيرة من أحد أسواق العاصمة الماليزية كوالالمبور, يعرض الفنان تي تيونغ كوه (55 عاماً) مجموعة نادرة من الشجيرات القزمة المنحوتة على شكل تماثيل لأنواع متعددة من الحيوانات, فيما يعرف بفن البونساي.
ويندهش الناظر إلى تلك الشجيرات الصغيرة, ليس فقط لكونها تمثل لوحات فنية غاية في الإتقان, بل عندما يدرك أن عمرها يبلغ عشرات السنين, وان بعض أشجار هذا الفن يتجاوز عمرها قرنا من الزمان.

يقول الفنان كوه الذي يحترف هذا الفن ويمتلك مزرعة خاصة له في حديثه للجزيرة نت، إن أصول هذا الفن تعود إلى الصين, ولكنه انتشر في العالم بعدما انتقل إلى اليابان قبل عدة قرون. أما في ماليزيا فتعود جذوره إلى جزيرة ملقا، وهو فن توارثه هواته من الماليزيين من أصول صينية, وبالتالي فإن انتشاره يعتبر محدودا في ماليزيا إذا ما قورن بالصين واليابان.
ويرتبط هذا الفن ارتباطا وثيقا بطقوس العقيدة البوذية, حيث القوانين الصارمة المعتمدة في العناية بهذه الشجيرات وطريقة تشذيبها, والصبر عليها لسنوات طويلة حتى تصبح الشجيرة مصدراً للتأمل والتفكير, إضافة إلى قيمتها الاجتماعية حيث تذكر بالأجيال السابقة الذين منحوها الرعاية لتصل إلى من بعدهم.
ويضيف كوه أن لهذا الفن معاني روحية سامية, حيث التعامل مع الأشياء الصغيرة بعاطفة غامرة واهتمام بالغ, دون التسبب لها بأي أذى حتى تعمر مئات السنين وتصبح ذكرى طيبة لصاحبها, وهو ما يبعث في النفس الطمأنينة والسلام.
أشجار ولكن
وبعكس ما يعتقده البعض فإن أشجار هذا الفن أشجار عادية ومتنوعة, ويمكن استخدام أنواع متعددة من الشجر فيه, مثل الخيزران والقيقب والنخيل وحتى الأشجار المثمرة.

ولكن هذه الأشجار تحرم من الحصول على مقومات نموها الطبيعي من الماء والأملاح والمعادن والهواء بشكل كاف, وتخصص لزراعتها أوعية صغيرة لتحد من نموها بشكل طبيعي, إضافة إلى عملية التقليم التي تتم بعناية فائقة من قبل هواة هذا الفن الذين يفضلون الأشجار الصمغية كالسرو والصنوبريات على غيرها.
أما عن الأشكال التي يتم نحتها بالبونساي, فيؤكد كوه أن هذا الفن لا يستخدم سوى عمليات التقليم الطبيعية المتقنة, إضافة إلى استخدام بعض الأسلاك لتوجيه نمو النبتة للوصول بها إلى الشكل المرغوب, وليس هناك عمليات قطع أو تشكيل مباشرة تجرى على النبتة خلال نموها.
وأشار إلى أن تماثيل الحيوانات تعتبر من الأشكال المرغوبة في هذا الفن لارتباطها بأساطير قديمة, ومن أهمها لدى الصينيين من هواة هذا الفن، التنين الذي يعتقد الكثيرون أن وجوده يجلب الحظ والسعادة.
وبالإضافة إلى قيمتها المعنوية فإن أشجار البونساي تعتبر باهظة الثمن إذا ما قورنت بمثيلاتها من الأشجار العادية, حيث يبلغ سعر الشجرة المعمرة ذات التشكيل المتميز نحو ألف دولار, وترتفع أسعارها بشكل مطرد بالاعتماد على ندرة تشكيلها وزيادة سنوات عمرها.
ومع ازدياد الإقبال على هذا الفن أشار الفنان كوه إلى أنه ينظم له سنويا معرضين في ماليزيا, ويرتاد هذه المعارض هواة هذا الفن من مختلف دول العالم, كما أن هناك جمعيات ومنظمات خاصة لهذا الفن في ماليزيا ودول العالم.