فنانون شباب يبحثون في سويسرا عن الهوية والانتماء

مركز الإقامة المؤقتة

لوحة مركز الإقامة المؤقتة كما بدت في متحف بيت الفنون بزيورخ (الجزيرة) 

تامر أبو العينين-زيورخ

مسافرون ينتظرون طائرة لن تأتي، ووجوه بلا ملامح، وحدود جغرافية يحاول الإنسان محوها، وسراديب ودهاليز يرى بعضهم أنها فرصة للهروب من واقع إلى مجهول، وبيوت متنقلة من قصاصات الورق، ورايات تآكلت ألوانها أو تلاشت.
 
هذه هي بعض مفاهيم الهوية اليوم كما رآها 233 فنانا شابا من جنسيات مختلفة استضافهم متحف بيت الفنون بزيورخ، لتقديم أعمالهم حتى نهاية أغسطس/آب، وفتح مناقشات مع الجمهور والمتخصصين تحت عنوان "تغيير الهوية" وعلاقتها بالانتماء.

ديناميكية المشكلة

أمينة المعرض ميريام فارادينيس (الجزيرة)
أمينة المعرض ميريام فارادينيس (الجزيرة)

وتقول ميريام فارادينيس أمينة المعرض للجزيرة نت "إن العالم اليوم يشهد تغيرات كبيرة في حركة الهجرة ليواجه الإنسان مجتمعات أخرى، ثم هناك أجيال شابة نشأت في المهجر، إلى جانب التيارات الفكرية المتقلبة والمؤثرات السياسية وكلها عوامل دفعت العديد من الفنانين الشبان للتساؤل من نحن وأين نعيش وإلى أين نحن ذاهبون؟".

ويتميز المعرض بديناميكية عالية تكشف أمام الزائر عوالم متعددة وتدعوه إلى ربط العديد من الظواهر لمحاولة فهم قلق الشباب من المستقبل وانعكاسه على المجتمع، فالأعمال المعروضة تجمع بين المجسمات من عناصر مختلفة والفن الحركي بالفيديو والكتابة ونصوص من وثائق دولية، وتتوزع خارج قاعة المتحف، لتصل إلى مطار زيورخ والميادين الكبرى في رسالة مفادها أن البحث عن الهوية جزء من الحياة اليومية.

فقضية الهجرة مثلا عرضها الألباني أدريان باشي في مشهد حركي يصور مجموعات صامتة من البشر تصعد سلم طائرة لن تأتي أبدا، فلا هم سافروا ولا هم عادوا حيثما أتوا، لترتسم على ملامحهم مشاعر متفاوتة من اليأس والأمل.

عولمة وفضائيات
ثم يقدم الهولندي جوردي فيدال نقدا للقنوات الفضائية، ليصفها بمهرج القصر في العصر الحديث حيث تحاول جذب اهتمام المشاهد بكل الطرق بعيدا عن الواقع وتنقله إلى عالم افتراضي لا وجود له.

 عمل فني باسم
 عمل فني باسم "هذه ليست أميركا" (الجزيرة)

الأعمال الفنية التي يقدمها المعرض تنتقد أيضا إجحاف العولمة فالسويسري كوستا فيتسه يرى أن صناعة سراويل الجينز مثال على عولمة الصناعة المجحفة، فقد جمع في عمل تركيبي عددا من تلك السراويل تتوسطها نجمة من بقايا قمصان داخلية، لتشكل في النهاية أحد الأعلام الأميركية القديمة.

ويقول فيتسه في تقديمه للعمل "إن صناعة الجينز المُعولم تبدأ بغزل القطن في تركيا لتتحول إلى نسيج في تايوان، وبينما تقوم بولندا بتصنيع اللون الأزرق تتم عملية الصباغة في تونس ليبدأ التصنيع في الصين، ثم يلصق عليها الأوروبيون علامتهم التجارية ومعها "صنع في أوروبا". وفي حين تربح الشركات المنتجة 50% من المبيعات يكتفي العمال في الدول النامية بنسبة 1% فقط، ويصف تلك النوعية من الصناعات بـ"الاستعمار الحديث".

مخاض الهوية
وبينما يصدق بعضهم أن العالم أصبح كتلة واحدة ذابت بينها الحدود واندمجت الأعراق وانسجمت مختلف الجنسيات، يؤكد آخرون أن الحدود الجغرافية أصبحت أكثر تعقيدا من ذي قبل.

يشعر الزائر بأن الأعمال الفنية المعروضة هي جمل سياسية تنقل تناقضات واقعية، مثل الحديث عن الحوار ثم فرض عقوبات، والتنديد بالفقر ثم العجز عن محاربته، لتسفر كل تلك العوامل عن تغيرات اجتماعية لم تجد خواصها الجديدة وتعبر عن قلق من المجهول والهروب بحثا عن الذات أو القبول بالواقع ولكن على مضض.

وتقول فارادينيس "إن الغرب -بمهاجريه ومواطنيه- يعيش مخاض البحث عن الهوية، فقد اعتقد الناس بعد انهيار الشيوعية أن العالم أصبح حرا وفيه متسع للجميع، لكننا فوجئنا بالحروب وزيادة العنصرية والعداء للإسلام وتخويف الرأي العام منه، وإغلاق الحدود أمام المهاجرين واللاجئين".

المصدر : الجزيرة