رفض الجوائز ثقافة تمرد أم مصداقية مبدع؟
كان رفض صنع الله إبراهيم جائزة حكومية قدمت له في ملتقى القاهرة للإبداع الروائي العربي أواخر أكتوبر/ تشرين الأول 2003 حدثا غير عادي في أجواء احتفالية اعتاد الناس في بلادنا العربية أن يلهجوا فيها بعبارات الشكر والامتنان.
وكانت خطبة الكاتب اليساري المصري في تلك المناسبة صرخة عالية في جسد هامد أطلقت قوى كامنة للتمرد والثورة بين المحيط والخليج، وأعادت بقوة الحديث عن دور المثقف وموقفه من السلطة، فصدرت بيانات في مصر والسعودية والأردن وفرنسا ودول أخرى تؤيد موقف الكاتب، وأقيمت ندوات حول هذه المحاور وفتحت جروح ملتهبة وأطلقت آهات مكتومة، وكأن صنع الله طير طائرا كان نائما في صدور القوم.
الحجر الذي ألقي في الماء الراكد كان ضخما وهائجا فانداحت سيول الرفض عبر حدود مصر بكل اتجاه، فوجدنا القاص المغربي أحمد بوزفور يرفض جائزة قدمتها له وزارة الثقافة المغربية يوم 24 يناير/ كانون الثاني 2004 احتجاجا على ما وصفه بتردي الأوضاع السياسية والاقتصادية والثقافية في البلاد.
وباتجاه المشرق وفي موقف مشابه ظهر رسام الكاريكاتير السوري رائد خليل -بعد يومين من موقف بوزفور- ليرفض جائزة من رابطة المراسلين بالأمم المتحدة تحمل اسم رعنان لوري، بعد أن اكتشف أن رسام الكاريكاتير الذي تحمل الجائزة اسمه من أصل إسرائيلي.
وإن لم يحمل رفض خليل (31 عاما) تمردا ولا موقفا صداميا مع السلطة فإنه يتناغم مع دعوة الكتاب المصريين أواخر نوفمبر/ تشرين الثاني 2003 إلى رفض جائزة نجيب محفوظ التي تقدمها الجامعة الأميركية، لأن "الحكومة الأميركية التي ترعى الجامعة ليست محايدة تجاه القضايا العربية المصيرية بل تقف الآن في الخندق المعادي لاستقلال الشعوب والدول العربية". ودعا هؤلاء المثقفون إلى تنظيم جائزة مصرية أو عربية باسم محفوظ.
وتعدى رفض الجوائز تضامنا مع العرب في أزماتهم وجراحهم التي يبدون عاجزين عن التعامل معها خارج حدود الوطن العربي، فهذا الشاعر البريطاني بنيامين زيفانيا (48 عاما) يرفض هو الآخر أواخر نوفمبر/ تشرين الثاني 2003 جائزة من ملكة بريطانيا إليزابيث الثانية احتجاجا على حرب العراق وما سماه سنوات القهر تحت لواء الإمبراطورية البريطانية.
مقارنات ومفارقات
حديث إبراهيم كان قوميا يتعدى حدود بلاده ويحمل الهم المشترك، حيث أشار إلى وجود السفير الإسرائيلي بالقاهرة، وإلى أن السفير الأميركي يحتل في العاصمة المصرية حيا بأكمله، وتضمن اعتراضا على العواصم العربية التي تستقبل الإسرائيليين بالأحضان في ظل ممارسات الدولة العبرية الوحشية وأحلامها التوسعية.
وحديث بوزفور (59 عاما) عن مبررات رفضه للجائزة المغربية لم يكن أقل جرأة وصدامية، فقد تحدث عن تردي ملف الديمقراطية وحقوق الإنسان في المغرب والتفاوت الطبقي الهائل وتدني الأجور وتدهور الوضع الثقافي بسبب تفشي نسبة الأمية وانخفاض نسبة القراءة لكنه كان حديثا داخليا لا يتجاوز فيه قضايا داخلية بالمملكة حتى إنه أشار إلى كتابين اثنين يعانيان من إهمال الدولة لهما.
وربما كان هذا هو السبب في أن أصداء الرفض لم تكن مرتفعة بعد حادثة بوزفور كما كانت بعد حادثة صنع الله.
وكانت المفارقة التي أثارها شاعر بريطانيا عندما رفض جائزة الملكة هي أنهم يمنحونه وساما بسبب الدفاع عن حقوق الحيوان أو النضال ضد العنصرية بينما هو يرفض كلمة إمبراطورية التي تذكره بالرق وبآلاف السنوات من الوحشية والقهر، حيث تمنح إليزابيث وسام ضابط بالإمبراطورية البريطانية كل عام لمن يحقق إنجازا في الحياة العامة.
إشكالية التناقض ومصداقية المبدع كانت المبرر في رفض الجوائز كما رأينا في جدلية بوزفور عن تشجيع المثقف وركود الحركة الثقافية، وكذلك زيفانيا الذي يرفض تسلم وسام لا يحب الرمز الذي يشير إليه، وكما أشار الرسام السوري إلى أن أعماله كلها ضد الاحتلال فلا يعقل أن يقبل جائزة باسم ضابط في جيش الاحتلال، لكن دور المبدع إزاء قضايا وطنه والتمرد كانا بارزين في رفض صنع الله المشهور بمعارضته للحكومة المصرية التي كلفته السجن بين العامين 1959 و1964.
____________
الجزيرة نت