أمسية شعرية لدرويش وندوة في احتفالية أمل دنقل
ألقى الشاعر الفلسطيني محمود درويش في المسرح الصغير بدار الأوبرا المصرية أمس الاثنين قصيدة رثائية للشاعر المصري الراحل أمل دنقل أمام حشد كبير من عشاق شعره حملت عنوان "إلى أمل دنقل"، وذلك ضمن فعاليات المؤتمر الذي ينظمه المجلس الأعلى للثقافة في مصر.
وجاء في القصيدة:
واقفين معا تحت نافذة
نتأمل وشم الظلال
على ضفة الأبدية
قلت تغيرت يا صاحبي وهدأت
فها هي سفارة الموت تدنو
لا تفجر صرختك الخاطفة.
…
قال لي عشت قرب حياتي كما هي
لا شيء يثبت أني حي ولا شيء يثبت أني ميت
الغياب يرف كزوج حمام على النيل…
الجنوبي يحفظ شعر الصعاليك عن ظهر قلب
ويشبههم في سليقتهم وابتكار المدى.
وجاء إلقاء درويش لقصيدته في أول أمسية شعرية والتي اشترك فيها معه الشاعر العراقي هشام شفيق والمصرية لينا طيبي والمصري حسن طلب الذي ألقى قصيدة جديدة عن الأحداث الأخيرة في العراق.
وفي ندوة أقيمت على هامش المؤتمر تحت عنوان "أمل دنقل.. الإنجاز والقيمة"، خلص بعض النقاد والباحثين إلى أن الشاعر أمل دنقل انطلق في حياته القصيرة (1940- 1983) من إحساس غامض بأن النهاية قريبة، فاستطاع أن يحول الحياة إلى شعر تتداخل فيه الأسطورة والحدث اليومي والأيدولوجية أيضا.
وقال الناقد محمد بدوي الأستاذ بكلية الآداب في جامعة القاهرة إن أمل دنقل صنع أسطورته الخاصة بدءا من نمط حياته بوصفه واحدا من الذين وضعوا أنفسهم في موقع الهامشي المتمرد الخارج على المؤسسة الاجتماعية والثقافية والسياسية بانتمائه إلى فضاء الشارع أو الغابة ورفضه لفضاء البيت أو الوظيفة.
وأشار بدوي إلى انحياز الشاعر إلى الحداثة كمشروع شعري في مواجهة التقليد واكتمل هذا الخروج بانحيازه إلى مبدأ الحرية.
غير أن الناقد المصري نسيم مجلي الذي أصدر قبل سنوات كتابا عن أمل دنقل بعنوان "أمير شعراء الرفض" علق موضحا أن الشاعر كتب في بداياته شعرا تقليديا ولم يبدأ التحول إلا عام 1962 بقصيدة "كلمات سبارتاكوس الأخيرة" التي بدأها قائلا:
المجد للشيطان معبود الرياح
من قال لا في وجه من قالوا نعم
وأضاف أن الانحياز إلى الشكل الحداثي تأكد بقصيدة "الأرض" التي كتبها عام 1966 فيما يشبه النبوءة بما حدث بعد ذلك بعام واحد، في إشارة إلى هزيمة يونيو/ حزيران 1967 وفيها يتساءل:
يا سماء
أكلَّ عامٍ نجمة تهوي
وقال مجلي إن الأيدولوجية في شعر دنقل تجلت في قصيدته "لا تصالح" التي كتبها بعد زيارة الرئيس المصري السابق أنور السادات لإسرائيل عام 1977, مؤكدا أنها تدل أكثر من غيرها على عصبية دنقل القبلية في مطالبته بالثأر:
إنها الحرب
قد تثقل القلب
لكن خلفك عار الغرب
ولا تتوخ الهرب
وفي مقاطع أخرى من القصيدة يتساءل مستنكرا:
أقلب الغريب كقلب أخيك
أعيناه عينا أخيك
وهل تتساوى يد
سيفها كان لك
بيد سيفها أثكلك
وأوضح مجلي أن الشاعر خرج من الروح القبلية فيما بعد بقصيدته "مراثي اليمامة". وقال الناقد الأردني فخري صالح إن دنقل كان يتخذ من الشخصيات والوقائع التاريخية التي يستدعيها في شعره أقنعة يتوارى فيها الإنسان المعاصر المطحون بالأحداث اليومية، معتمدا على شحنة تاريخية ينهل منها شخوصه ورؤيته للحاضر المدان.
وأشار إلى أن أمل دنقل لم يهدف إلى توثين الماضي بل كان يريد توجيه أصابع الاتهام إليه باعتباره يقيم في لحم الحاضر ويصوغ وعي سكانه, وتابع "أن شخصيات الماضي المستدعاة مثلها مثل الشخصيات المعاصرة مهزومة ومدانة ومطحونة بوعي الهزيمة وذلك يصدق على زرقاء اليمامة وأبي موسى الأشعري والمتنبي وأبي نواس وكليب وصلاح الدين".
وتستمر جلسات مؤتمر "أمل دنقل.. الإنجاز والقيمة" الذي بدأ أول أمس الأحد والأمسيات الشعرية المصاحبة له حتى الأربعاء بمشاركة أكثر من 30 شاعرا وباحثا عربيا وأجنبيا بمناسبة مرور 20 عاما على رحيل الشاعر.