النظام الدولي

In this photo provided by the United Nations, United Nations General Assembly votes to condemn the U.S. commercial, economic and financial embargo against Cuba, Tuesday, Oct. 28, 2014 at U.N. headquarters. The symbolic vote passed 188-2, with only the U.S. and Israel voting against it. (AP Photo/United Nations, Loey Felipe)
التفاعل بين دول العالم تعاونا وتنافسا وحربا هو العامل الأكبر في طبيعة عمل النظام الدولي (أسوشيتد برس)

هو الإطار المؤسسي والدبلوماسي والسياسي والقانوني الناظم للعلاقات الدولية خلال فترة تاريخية معينة. ويعد تفاعل الوحدات السياسية لهذا النظام (دول العالم) تعاونا وتنافسا وحربا هو المحرك الأكبر فيه، إضافة إلى كل إطار تنظيمي قادر على التأثير في واقع العلاقات الدولية، مثل المنظمات والحركات السياسية والشركات الكبرى ذات النفوذ العابر للحدود.

النشأة والتطور
نشأ مفهوم النظام الدولي في ظل اتفاقيات ويستفاليا (1644-1648) التي أنهت حربيْ الثلاثين سنة والثمانين سنة التي مزقت أوروبا وتصارعت فيها الإمبراطورية الإسبانية المدعومة من قبل الكنيسة الكاثوليكية الرومانية، ودول شمال القارة البروتستانتية في أغلبها والمتحالفة مع ألمانيا وفرنسا التي دخلت هذا الحلف رغم كاثوليكيتها لدفع التوسع الإسباني الذي غصب بعض أراضيها ومعها هولندا.

استندت اتفاقيات وستفاليا إلى مفهوم القومية باعتباره محددا مركزيا على المستوى السياسي والإستراتيجي في أوروبا التي كانت يومها مركز العالم بلا منازع.

وشكلت تلك الاتفاقيات البذرة الأولى للدولة الوطنية/القومية التي ستزدهر في العقود والقرون اللاحقة بأروبا، مع اندلاع انتفاضات الشعوب المسحوقة ومطالبتها بإقامة كيانات سياسية قومية خاصة بها، قبل أن يعم هذا النموذج العالم في القرون الثلاثة التالية لتوقيع الاتفاقيات.

حكمت اتفاقيات ويستفاليا النظام الدولي حتى اندلاع الحرب العالمية الأول (1914-1918) التي شهدت تحالفات سياسية وإستراتيجية غير مسبوقة في تنوعها واتساعها، مما أظهر محدودية الدولة القومية وعجزها عن توفير الأمن الجماعي الذي كان الدافعَ الأبرز لظهورها.

وأعادت الحرب العالمية الأولى صياغة مفهوم "المصالح" في العلاقات الدولية، إذ لم يعد أمن الدولة القومية مقتصرا على سلامة حوزتها الترابية فقط، وإنما بات مرتبطا بأوضاع حلفائها أو ما سُمي في أدبيات مرحلة ما قبل الحرب الأولى بـ"المجال الحيوي".

ومن مميزات النظام الدولي أنه ذو طبيعة مرحلية، فغالبا ما يبرز نظام دولي جديد بناءً على موازين قوة إستراتيجية قائمة وآنية، تكون عادة مترتبة على مواجهة عسكرية مدمرة (مثل الحربين العالميتين) أو صراع إيديولوجي شرس وطويل الأمد.

ومن النماذج البارزة لذلك الحرب الباردة التي وسمت -طوال خمسة عقود- واقعَ العلاقات الدولية لما بعد الحرب العالمية الثانية بميسم الثنائية القطبية بين المعسكر الشرقي الشيوعي بقيادة الاتحاد السوفياتي والمعسكر الغربي الرأسمالي بزعامة الولايات المتحدة.

أحادية القطبية وتعددها
تسببت الحرب العالمية الأولى في زوال أربع إمبراطوريات كبيرة، أبرزها الإمبراطورية العثمانية والنمساوية المجرية والإمبراطورية الروسية، وهو ما أسفر عن بروز عدد كبير من الدول القومية في أوروبا مثل اليونان ورومانيا وتشيكوسلوفاكيا وغيرها، استفادت من شيوع مفهوم "تقرير المصير" واستغلاله من قبل القوى الكبرى في التنافس السياسي والإستراتيجي على سيادة أوروبا والعالم.

وشهدت المرحلة اللاحقة على الحرب العالمية الأولى بروز الولايات المتحدة قوة عسكرية كان لها دور حاسم في توجيه مسار الحرب، وكذلك قوة اقتصادية واعدة. وفي شرقي أوروبا حولت الثورة البلشفية روسيا من إمبراطورية مترهلة إلى اتحاد كونفدرالي لم يسبق له مثيل في العصر الحديث مساحة وديمغرافيا ومؤهلات اقتصادية وطبيعية.

كما برزت اليابان في شرقي آسيا قوة عظمى تتكئ على قاعدة اقتصادية صناعية قوية وقوة عسكرية ضاربة وتقاليد حربية عريقة ومجد سياسي تليد، فقبل الهزيمة والاستسلام عام 1945 كان آخر عهد لأرض اليابان بالمحتل في القرن الثامن الميلادي.

وأدى تعدد الأقطاب هذا -مع ما رافقه من منافسة وعداء محموميْن- إلى نشوب الحرب العالمية الثانية بعد نهاية نظيرتها الأولى بعقدين من الزمان فقط، وعندما وضعت الحرب أوزارها عرف النظام الدولي مفهوم "الثنائية القطبية".

فقد ظهرت الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي قوتين مهيمنتين على النظام العالمي الجديد، مع اختفاء لدور القوى المهيمنة سابقا (ألمانيا واليابان)، وتراجع مشهود للإمبراطوريات الاستعمارية التقليدية مثل فرنسا وبريطانيا.

وأدت هذه الثنائية إلى دخول العالم مرحلة "الثنائية القطبية"، وهي انقسام دول العالم إلى معسكرين: رأسمالي تقوده الولايات المتحدة واشتراكي يتزعمه الاتحاد السوفياتي.

كما عرفت هذه المرحلة ميزة أخرى هي تصدر العامل الأيديولوجي محددات النظام العالمي، وتحول الصراع على سيادة العالم إلى صراع أيديولوجي ينبني على القيم، مع أنه لا يغفل المصالح التي تبقى العامل الأهم في رسم العلاقات الدولية.

وقد أذن انهيار جدار برلين (يوم 9 نوفمبر/تشرين الثاني 1989) بتداعي المعسكر الاشتراكي بقيادة الاتحاد السوفياتي الذي انفرط عقده نهائيا في 26 ديسمبر/كانون الأول 1991، بعد أن صار جسما ضخما بلا روح أنهكته عقود طويلة من سباق التسلح مع الغرب والسلطوية القاتلة والصراع المرير على السلطة بين أركان النظام.

مهد سقوط الاتحاد السوفياتي وانهيار المعسكر الشرقي لولادة نظام دولي جديد تفردت فيه أميركا بالقيادة وزعامة العالم، مع عجز دول العالم الثالث وبعض القوى الصاعدة عن تطوير فكرة "عدم الانحياز"، وتقديمها خيارا منافسا قادرا على استثمار تركة المعسكر المنهار في سبيل بروز قطب عالمي موزا للقطب الليبرالي.

وبانتصاف العقد الأول من القرن الواحد والعشرين، باتت الصين قوة اقتصادية عالمية يُحسب لها حسابها، لاسيما بعد تحقيقها نموا اقتصاديا سريعا يُؤهلها لتصدر العالم اقتصاديا في النصف الثاني من هذا القرن، كما برزت كوريا الجنوبية وإندونيسيا وماليزيا وسنغافورة (النمور الآسيوية) ومعها الهند والبرازيل قوى اقتصادية هامة تمثل جزءا معتبرا من التجارة الدولية.

ودفع هذا التعدد القطبي على المستوى الاقتصادي كثيرين إلى توقع تبلوره في تعددية سياسية وإستراتيجية للنظام الدولي، لكن ذلك ما زال مستبعدا نظرا للتباين الكبير بين مرجعيات ومصالح هذه القوى الصاعدة.

المصدر : الجزيرة