أقصى اليسار

Supporters of the Greek far-left and anti-EU 'ANT.AR.SY.A.' party, hold banners as they march towards to Syntagma square in Athens, Greece, 02 July 2015, to support a 'No' voting in the referendum to be held on 05 July when Greek voters will be asked whether the country should accept reform proposals made by its creditors. Greek Prime Minister Alexis Tsipras is telling people to reject the measures, arguing that a 'No' would give him a mandate for new bailout negotiations. It would be 'extremely difficult' to keep Greece in the eurozone if the country votes 'No' in this weekend's referendum, Jeroen Dijsselbloem, the head of the Eurogroup of eurozone finance ministers, said. EPA/ORESTIS PANAGIOTOU
مسيرة نظمها أحد أحزاب أقصى اليسار اليونانية رفضا للشروط التي وضعها الاتحاد الأوروبي لإقراض البلاد (الأوروبية)

"أقصى اليسار" تسمية لقطاعات من الطيف السياسي بأوروبا والعالم تتبنى تأويلات متطرفة للفكر اليساري ولآراء قادته ومنظريه الأوائل مثل ماركس ولينين وتروتكسي وماو تسيتونغ، وقد تحمل السلاح لتحقيق أهدافها.

ويؤمن المنتسبون لتيار أقصى اليسار -الذي تضع أحزابُه نفسَها على يسار أحزاب الديمقراطية الاجتماعية- بأن خلاص المجتمعات يكمن في التخلص من الرأسمالية والليبرالية، عبر ثورة عارمة تحقق مجتمع المساواة والعدالة الاجتماعية الذي يُشكل قطب الرحى في المنظومة الأيديولوجية لليسار عموما.

تنزع حركات أقصى اليسار غالبا إلى عدم الانتظام في الحياة السياسية الحزبية الناظمة للديمقراطية الليبرالية، وتُؤثر التحرك عبر تعبئة الشارع في المناسبات، كما تنزع أحيانا إلى العنف المسلح.

ومن شواهد ذلك التنظيمات اليسارية المسلحة التي ظهرت في أوروبا خلال سبعينيات وثمانينيات القرن العشرين، ومنها جماعة "الألوية الحمر" التي ظهرت في إيطاليا عام 1970 وبثت الرعب في أنحائها ما يقارب العقدين، و"مجموعة العمل المباشر" التي تبنت عشرات الاعتداءات والاغتيالات في فرنسا خلال 1979-1987، وكانت تتبنى النظرية "الفوضوية" الرافضة لكل أشكال التنظيم الإداري والسلطة.

النشأة والتطور
يعود بروز "أقصى اليسار" إلى بواكير نشوء فكرة اليسار في أواخر القرن الثامن عشر. فعند قيام الثورة الفرنسية، نشأ تياران سياسيان أحدهما يُنادي بالمساواة المطلقة بين الفرنسيين وبالقضاء السريع والعنيف على مواريث الحقبة الملكية، وفي المقابل نشأ تيار ثان يدعو إلى التدرج في تحقيق ذلك.

واحتدّ النقاش بين الفريقين عند نقاش صلاحيات الملك من قبل الجمعية التأسيسية التي قامت بعد الثورة، فأيد فريق إعطاء الملك صلاحية تعطيل أو إلغاءِ قوانين (حق الفيتو)، وعارضَ فريق آخر ذلك بشدة.

وكان المناوئون للفيتو الملكي يجلسون عن يسار رئيس الجمعية بينما كان الفريق الآخر يجلس عن يمينه. ومن يومها نشأ مفهوما "اليسار" و"اليمين" رغم أنَّ المفهومين سيشهدان تحولات كبيرة في القرنين التاسع عشر والعشرين.

ازدهرت فكرة اليسار وأخذت قوامها في القرن التاسع عشر، فقد ألهمت كتابات كارل ماركس -خاصة في التاريخ وحول رأس المال والطبقات والاشتراكية والمساواة- فئات واسعة من الشباب الحالم بالعدل وبالتخلص من الرأسمالية في أوروبا، كما كان لها صدى قوي لدى الطبقة العاملة التي تشكو التهميش والاستغلال ولا تتمتع غالبا بأبسط الحقوق.

وجدت كتابات ماركس عن الشيوعية ورأس المال وتبشيره بمجتمع عادل ومتساو آذانا صاغية لدى الطبقة العاملة التي بدأت تنتظم في هيئات نقابية تدافع عن حقوق المستخدمين في وجه أرباب العمل وأصحاب رأس المال، وبدأ الفكر اليساري يتشكل حول مجموعة قيم أبرزها العدالة الاجتماعية والمساواة والحرية والأخوة والتضامن والإنسانية.

ومع بداية القرن العشرين عرف اليسار ازدهارا غير مسبوق مهدت له الثورة البلشفية في روسيا، حيث أقام لينين نظاما شيوعيا (سُمي اللينينية) يستند إلى الاشتراكية لدى ماركس، كما كانت له نزعة إلى "العنف الثوري" الذي بشَّر به بعض القادة البلاشفة خلال الثورة على القياصرة في روسيا.

وإثر وفاة لينين عام 1924 شهدت اللينينية انقسامات عميقة، فقد باشر خلَفه جوزيف ستالين عملية تصفية واسعة لخصومه السياسيين من قيادات الصف الأول في عهد لينين، وعلى رأسهم ليون تروتسكي الفيلسوف المثقف ورجل ثقة لينين الذي كان يُعتقد أنه خليفته على رأس الاتحاد السوفيتي، ثم أرسى نظاما استبداديا استمر إلى وفاته 1953.

وبعد إقصاء تروتسكي نشأ تيار سياسي وفكري تسمى باسم "التروتسكية" كان يرى في أفكار الرجل التأويل الأسلم والتنزيل الأكثر أمانة لأفكار ماركس حول الشيوعية والمساواة والحرية والعدالة الاجتماعية. وقد أعطبت النزعة الدموية المتنامية لنظام ستالين وجاهة أكبر للتيار الجديد الذي شكل في العقود اللاحقة ما عُرف بـ"أقصى اليسار".

مبادئ ومآخذ
ازدهر أقصى اليسار في أوروبا وأميركا اللاتينية وآسيا وإن انزلق أحيانا في المنطقتين الأخيرتين إلى الدكتاتورية والحكم الفردي، أما في أوروبا فإن حركاته اتسمت بالنخبوية والعزلة الشعبية فضلا عن سرعة الزوال، فلا تكاد حركة من أقصى اليسار تُعمر أكثر من عقد.

أما الأحزاب المنتمية لأقصى اليسار فظلت محدودة التأثير، بل إن بعضها أجرى مراجعات فكرية لمواكبة الطفرات المتلاحقة التي تعرفها أوروبا على مختلف الصعد.

ومع ذلك، فإن أقصى اليسار حافظ باستمرار على وجودٍ ما في عدد من الأقطار الأوروبية، ويتبنى مبادئ يشترك في بعضها مع قطاعات اليسار الأخرى مثل الأحزاب الاشتراكية، منها المساواة والأخوة والتضامن والتقدمية ورفض الاستبداد والقمع بكل أشكاله.

ومنذ تسعينيات القرن العشرين واشتداد الجدل حول إشكال الهجرة والاندماج في أوروبا، تقف أحزاب أقصى اليسار في الصف الأول للمدافعين عن المهاجرين والتنوع العرقي والديني في أوروبا.

يُحسب لتشكيلات أقصى اليسار كذلك نضالها الدائم ضد العولمة والرأسمالية المتوحشة ومجتمع الاستهلاك والدفاع عن البيئة، فلها حضور كبير في النقابات العمالية وجمعيات حماية المستهلك ومنظمات حماية البيئة، والمنظمات الحقوقية وجمعيات الدفاع عن المهاجرين غير النظاميين واللاجئين السياسيين.

يُؤخذ على اليسار عموما -حتى داخل المجتمعات الغربية العلمانية والملحدة أحيانا- بعض المواقف المتطرفة على المستوى الاجتماعي، خاصة تأييده لزواج الشواذ من الجنسين الذي يضرب في الصميم مؤسسة الأسرة بأركانها المعروفة في أوروبا والعالم (أب، أم، أبناء).

كما يُؤخذ على اليسار تأييده بل مناداته في بعض البلدان الأوروبية (مثل ألمانيا) بتقنين زواج الإخوة وزنا المحارم، وهما ظاهرتان تجردان الإنسان من إنسانيته التي تمكنه من التمايز عن البهيمة.

المصدر : الجزيرة