رغم أن التغيرات المناخية تشمل مختلف دول العالم بنسب مختلفة، تؤكد معظم التقارير والدراسات أن الدول الصناعية الكبرى تتحمل مسؤولية رئيسية في تلويث المناخ. ووفق تقرير لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة، فإن هناك 4 دول وكيانات -هي: الصين والولايات المتحدة والهند والاتحاد الأوروبي- أسهمت بأكثر من 55% من إجمالي الانبعاثات خلال العقد الماضي. وتشير دراسة أخرى إلى أن 1% من أغنياء العالم يسهمون بنسبة 50% من التلوث عالميا.
ويؤدي التلوث -حسب منظمة الصحة العالمية- إلى أكثر من 7 ملايين وفاة مبكرة سنويا، من بينها 400 ألف وفاة مبكرة سنويا في شرق المتوسط، بينما أكدت المنظمة أن موجة الحر التي ضربت أوروبا صيف 2022 أدت إلى وفاة 60 ألف شخص، رغم التقدم الاقتصادي والاجتماعي لدول القارة.
ويتوقع أن يسبب تغير المناخ في الفترة من عام 2030 إلى عام 2050 نحو 250 ألف وفاة كل عام، بسبب سوء التغذية والملاريا والإسهال والإجهاد الحراري، دون اعتبار الوفيات المباشرة الناجمة عن الكوارث المتزايدة التي يسببها التغير المناخي، وستكون الدول الفقيرة الأكثر تضررا في هذا السياق.

في أبريل/نيسان 2022، قدّرت دراسة نشرها المنتدى الاقتصاد العالمي أن التغيرات المناخية ستؤدي إلى خسارة 4% من الاقتصاد العالمي بحلول عام 2050، ومن المتوقع أن تسبب الفيضانات والجفاف وحدهما خسائر للاقتصاد العالمي تقدر بـ5.6 تريليونات دولار، ستتكبد معظمها الدول الفقيرة والنامية.
ورغم أن الدول الصناعية الكبرى تسهم في النصيب الأكبر من الانبعاثات وبالتالي الاحتباس الحراري، فإن دولا نامية أو فقيرة تدفع ثمنا غاليا لذلك، رغم أنها الأقل مساهمة في الاحتباس الحراري.
وتؤكد منظمة جيرمن ووتش (Germanwatch) في تقرير لها أن 5 دول تعد الأكثر تأثرا بالتغيير المناخي خلال هذين العقدين من القرن 21، وهي: ميانمار (آسيا)، وهايتي (منطقة الكاريبي)، وباكستان (جنوب آسيا)، وجزر بورتوريكو (منطقة الكاريبي)، والفلبين (جنوب شرق آسيا).
أما الدول العشر الأكثر تضررا عام 2019، فهي: موزمبيق (شرق أفريقيا)، وزيمبابوي (جنوب أفريقيا)، وجزر الباهاما (المحيط الأطلسي)، وبوليفيا (غرب أميركا الجنوبية)، والهند وأفغانستان واليابان (آسيا)، وملاوي (جنوب شرق أفريقيا)، والنيجر وجنوب السودان (غرب أفريقيا). ومعظم هذه البلدان -وغالبيتها في أفريقيا- تعاني من قلة الموارد التي تساعدها على التصدي لتأثيرات التغير المناخي، كما تؤكد هذه المعطيات النتائج غير المتساوية وغير العادلة لهذه الظاهرة، إذ "يدفع الفقراء ثمن رفاهية الأغنياء" في مسألة حجم الانبعاثات والتغيير المناخي.
ففي وقت تسهم فيه القارة الأفريقية (54 دولة) بهذه النسبة الضئيلة من غازات الاحتباس الحراري، تعاني دولها بشكل كبير من التغيرات المناخية. وتكلف التغيرات المناخية القارة نحو 50 مليار دولار سنويا، كما أدى ارتفاع درجات الحرارة والجفاف إلى تراجع بنسبة 34% في الإنتاجية الزراعية منذ عام 1961، ومن المتوقع أن يؤدي الإجهاد المائي إلى تشريد نحو 700 مليون شخص بحلول عام 2030، حسب تقرير المنظمة الدولية للأرصاد الجوية (WMO).
وتشير أرقام منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (أوكسفام) إلى أن 34% فقط من تمويلات التكيف مع التغير المناخي التي تمّ رصدها تخصص حاليا لمساعدة الدول النامية، كما أن 71% منها ما زالت تقدم قروضا، بما يفاقم أعباء ديون هذه الدول.
وكان اتفاق باريس عام 2015 وضع سقفا يهدف إلى خفض الانبعاثات بنسبة 45% بحلول عام 2030. لكن تقريرا "متشائما" أصدرته الأمم المتحدة في أكتوبر/تشرين الأول 2022، أكد أنه في ظل التعهدات المناخية الحالية للدول، فإن من المتوقع زيادة غازات الاحتباس الحراري بنسبة 10.6%، وارتفاع درجات الحرارة في العالم بنحو 2.8 درجات، أو 2.4% درجات إذا تم تطبيق الخطط الموضوعة.
وتدفع البشرية في الوقت الراهن ثمنا باهظا للبحث المحموم عن الرفاهية وصناعة المستقبل من دون احترام توازنات الطبيعة والبيئة من حولها، وفي حين تشير التقديرات إلى زيادة الوعي بمخاطر التلوث والانبعاثات المسببة للاحتباس الحراري ومحاولات التدارك، تزداد المخاوف من أن يكون الأوان قد فات.