إقليم أزواد

(FILES) This file picture dated July 29, 2013 shows Malian soldiers patrolling in Kidal, northern Mali. Mali sent troops on May 19, 2014 to retake the rebel stronghold of Kidal after Tuareg separatists seized local government offices, taking hostages and engaging the army in a firefight in which dozens were killed. AFP
مقاتلون من "الحركة الوطنية لتحرير أزواد" خلال دورية عسكرية في ولاية كيدال بإقليم أزواد شمالي مالي (الفرنسية)
منطقة شمالي جمهورية مالي؛ طالب سكانها بالانفصال منذ استقلال البلاد 1960 مشعلين صراعا سياسيا وعسكريا مع الحكومة المركزية عُرف إعلاميا بـ"قضية أزواد"، وفي عام 2012 أعلنت "الحركة الوطنية لتحرير أزواد" كبرى تنظيمات الإقليم استقلاله في دولة. يشكل أزواد نحو 66% من مساحة البلاد ويمثل أهله 10% من مجموع المواطنين.

الموقع
تقع منطقة أزواد شمالي جمهورية مالي بمحاذاة الحدود الموريتانية، وعلى الشرق منها يقع آدغاغ أيفوغاس المحاذي للحدود النيجرية والجزائرية. ويفصل بين منطقتي أزواد وآدغاغ أيفوغاس وادي تلمسي ويشكلان معا الصحراء المالية. ويشمل أزواد ولايات تمبكتو وغاو وكيدال، وعاصمته هي مدينة غاو كبرى المدن في المنطقة.

تبلغ مساحة إقليم أزواد 822 ألف كلم مربع أو ما يقارب 66% من مساحة مالي الكلية البالغة مليونا و240 ألف كلم مربع. وتعادل مساحة الإقليم مجموع مساحتيْ فرنسا وبلجيكا معا.

يسود الإقليمَ مناخ صحراوي أو شبه صحراوي، فمعظم أراضيه هي جزء من الصحراء والكثبان  الرملية. ويحتوي باطن أرضه على بحيرات من الماء، وتتغذى الوديان والبحيرات الموسمية من فيضانات نهر النيجر.

السكان
يتكون أهالي أزواد من عرقيات الطوارق والعرب والفلان والسونغاي. ويبلغ عدد سكان الإقليم أربعة ملايين نسمة بحسب تقديرات 2015. ويتحدث الطوارق لغة تسمى "تماشق" بينما يتحدث العرب اللهجة الحسانية العربية (نسبة لقبائل بني حسان المعقلية العربية التي ينحدر منها معظمهم)، أما لغة السونغاي اللغة فتسمى "كوربوراتية"، وتدعى لغة الفلان الفولانية.

والمكون الأساسي المعروف لبلاد أزواد في شمال مالي هم "الطوارق" أو "أمازيغ الصحراء"، ويلقبون أيضا بـ"الرجال الزرق" لطغيان اللون الأزرق على لباسهم. وهم شعب من الرحل والمستقرين، ومن المسلمين السنة المالكيين شأن كل مكونات الشعب الأزوادي، ويتحدثون الأمازيغية بثلاث لهجات.

وتتباين التفسيرات حول تسميتهم؛ فهناك من يقول إنها مشتقة من كلمة "كل تماشق" الأمازيغية والتي تعني كل من يتحدث لغة الطوارق، أو مشتق من كلمة "أيموهاغ" الأمازيغية التي تعني "الرجال الشرفاء". أما ابن خلدون ومؤرخون آخرون فيرون أن أصل التسمية عربي، إذ سموا بـ"التوارك" لتركهم المسيحية ودخولهم في الإسلام ثم حرف اسمهم لاحقا إلى "الطوارق".

ويفضل الطوارق أن يطلق عليهم اسم "إيماجغن" أو تماشق" وهما مرادفان لأمازيغ ومعناها الرجال الأحرار. وبحكم مجاورتهم للعرب في الشمال وللأفارقة الزنوج في الجنوب، صار الطوارق شعبا مهجنا يجمع في دمائه أعراقا طارقية وعربية وأفريقية.

أما تحديد نسبة تمثيلهم داخل مكونات المجتمع الأزوادي فيصعب تحديدها بدقة، لكن مراقبين يرون أنهم يمثلون حوالي 35% من مجموع الأزواديين.

وينقسم الطوارق إداريا إلى مجموعتين: الأولى من طوارق الغرب ويسكنون في ولاية تمبكتو، والثانية تتشكل من قبائل طوارق الشمال الكثيرة العدد، ومنها قبائل "إموشق" التي تنتشر قرب الحدود مع الجزائر والنيجر، وقبائل "إفوغاس" (تعني "الشرفاء"، ومنهم إياد غالي زعيم "حركة أنصار الدين" الذين ينتشرون ما بين النيجر والجزائر).

ولكل من هذه المجموعات زعامة منفصلة، إلا أنها تعترف بالقيادة السياسية لمجموعة إفوغاس وأسرة "انتاله آغ الطاهر" خاصة.

ويشتهر رجال الطوارق بقاماتهم الممشوقة وثيابهم الزرقاء واللثام الذي يغطي كامل الوجه عدا العينين، والتخلي عنه يعتبر عندهم مسبة وعارا. أما المرأة الطوارقية فتتمتع بمكانة مرموقة في المجتمع. وتعدد الزوجات أمر غير وارد لدى الطوارق، والنساء لسن أميات بل يقرأن ويكتبن بالأمازيغية.

والمكون الثاني الأزوادي هم العرب الذين يقدرون بحوالي 25% من السكان، وهم ينتسبون إلى قبائل مشتركة مع القبائل الموريتانية مثل قبيلة البرابيش وكنتة وإدوعلي وأولاد إدريس.

ورغم اعترافهم بدعم الجزائر لهم كما دعموها في حرب التحرير ضد الفرنسيين، فإنهم يجدون أنفسهم أقرب إلى الموريتانيين. إذ بالإضافة إلى كونهم يتحدثون مثلهم العربية باللهجة الحسَّانية فهم يشتركون معهم في بقية خصائصهم الاجتماعية والثقافية، إن من حيث اللباس أو أسلوب الحياة. ثم إن العادات الغذائية واحدة، إضافة إلى الموسيقى وغير ذلك من التفاصيل.

كما تضم أزواد عرقيات من الزنوج أهمهما "السونغاي" ولغتهم مزيج من البمبارة (لغة الزنوج الأولى في مالي) والفُلانية. ويسكنون في الأصل ما بين مدينة غاو والنيجر، لكن الحكومات المالية المتعاقبة عملت -منذ انقلاب عام 1991- على ربطهم بشمال مالي فأعطتهم أراضي واسعة في إقليم أزواد، وخاصة في تمبكتو وغاو. والنشاط الاقتصادي الأساسي للسونغاي هو تجارة المواشي، ونسبتهم إلى مجموع سكان إقليم أزواد هي 30%.

ثم هناك "الفُلان" الذين يشكلون حوالي 10% من سكان أزواد، وهم في الأصل قبائل زنجية مترحلة وأقدم موطن لهم هو حوض السنغال ثم انتشروا في عموم المنطقة بعد ذلك. ويسكن أكثرهم في ولاية "موبتي" حيث توجد بقايا آثار مملكة "دوقون" المشهورة.

وقد اختلف النسّابة في أصولهم، فمنهم من أرجعهم إلى عقبة بن نافع ومنهم من أوصلهم إلى الخليفة أبي بكر الصدّيق، وآخرون يرجعون أصول هذه القبيلة إلى قبيلة حمير العربية. وإذا سئل كبار السن منهم يقولون: أجدادنا أتوا من اليمن عبر الحبشة.

يعيش جزء كبير منهم على الرعي وينتشرون في المناطق الزراعية، ويتحدثون باللغة البولارية التي تنتمي الى فصيلة اللغات الأطلسية من عائلة لغات النيجر الكردفانية. وهي ظلت تكتب بالحرف العربي حتى مجيء المستعمر الفرنسي.

وينسب إليهم دور رائد في نشر اللغة العربية في أفريقيا. لكنّ المستعمر سعى إلى التفرقة من خلال العمل على إحياء "لغات أم" لكل من مكونات المجتمع. وذكرت بعض المصادر أن سلاطين وحكام منطقة التكرور في غرب أفريقيا كانوا من الفلان.

التاريخ
يعود إقليم أزواد بتاريخه القديم إلى ما قبل الميلاد، وبعد الفتح الإسلامي للمنطقة ظل جزءا من ممالكها لتي حكمت تحت أسماء مختلفة (مملكة غانا، مملكة مالي، مملكة السونغاي، باشوية الرماة، دولة ماسينا، الاستعمار الفرنسي).

وحين استقلت مالي عن الاستعمار الفرنسي في عام 1960 شهد الإقليم 1962 أول "تمرد" فجر ما عُرف لاحقا في الإعلام بـ"قضية أزواد" بشمالي مالي استمر نحو عامين أي حتى 1964. بدأ في ولاية كيدال وتعرض لقمع شديد من الجيش المالي الذي دمر مخازن الغذاء وسمم آبار المياه، وتمكن في نهاية المطاف من إخماد التمرد وفرض حكم عسكري على مناطق الطوارق.

تسببت العمليات العسكرية للجيش المالي على مدى عامين تقريبا في موجة نزوح نحو الجزائر وبلدان أخرى مجاورة لمالي.

وفي 1988 تأسست الحركة الشعبية لتحرير أزواد فكانت أول تنظيم سياسي للطوارق الماليين. ومهدت هذه الحركة لظهور حركات أخرى أكثر تنظيما وصولا إلى الحركة الوطنية لتحرير أزواد التي ظهرت نهاية 2011.

وفي 1990 اندلع "تمرد" ثان استمر خمس سنوات وانتهى 1995، وقد بدأ هذا "التمرد" بمهاجمة المسلحين الطوارق سجنا وثكنة عسكرية في منطقة ميناكا، ورد الجيش المالي بعمليات عسكرية خاصة حول مدينة غاو (العاصمة التاريخية لأزواد) مما تسبب في موجة نزوح جديدة. ونقل حينها عن قائد عسكري مالي أن حل قضية الطوارق يكمن في إبادتهم.

وفي 1991 تم توقيع "اتفاق تمنراست" (مدينة جنوبي الجزائر) بين حكومة مالي والفصائل الأزوادية بيد أنه لم يفض إلى إنهاء القتال. وركز الاتفاق على إرساء اللامركزية في شمالي مالي، واستيعاب مقاتلي الطوارق في الجيش المالي. وفي 1992 وقع الطرفان مجددا ميثاقا وطنيا يؤكد مضامين الاتفاقية السابقة عليه، كما ينص على تنمية المناطق الشمالية بالإضافة إلى إطلاق مبادرات للمصالحة.

وسعى الرئيس المالي ألفا عمر كوناري -الذي كان يحكم البلاد وقتذاك- إلى احتواء التمرد عبر منح منطقة كيدال حكما ذاتيا أوسع، وقد ساعد ذلك بالفعل على تخفيف الصراع لكن المواجهات العسكرية استمرت.

وفي 1996 وُقع اتفاق سلام في تمبكتو بالشمال سلم بموجبه المسلحون الطوارق ثلاثة آلاف قطعة سلاح وحُلت الجماعات الطوارقية المقاتلة.

وفي 2006 اندلعت "انتفاضة" للطوارق في الشمال حيث شن مقاتلون من حركة "متمردة" نشأت حديثا تدعى "تحالف 23 مايو الديمقراطي من أجل التغيير" هجمات على حاميات عسكرية في كيدال وميناك. وانتهت "الانتفاضة" في العام نفسه بتوقيع اتفاق سلام في الجزائر بين الحكومة المالية والتحالف الديمقراطي، ونص الاتفاق على استعادة الأمن وتنمية منطقة كيدال.

وفي ذلك العام شارك العقيد الليبي الراحل معمر القذافي في احتفال بعيد المولد النبوي في مدينة تمبكتو، واتهمته أطراف مالية حينها بدعم حركات "التمرد" الطوارقية.

وفي 2007 جرى "تمرد" متزامن جديد للطوارق في كيدال بشمالي شرقي البلاد وأغاديز بشمالي النيجر استمر حتى 2009. وقد نفذ "التمرد" تحالف "متمردين" من البلدين رفضا منهم لاتفاق السلام بالجزائر الموقع 2006، وتخللت هذا "التمرد"هجمات على ثكنات وخطف جنود ماليين.

وفي 2009 نجحت القوات المالية في تفكيك قواعد للمتمردين الطوارق في الشمال، قبل أن يتم في العام نفسه توقيع اتفاق سلام في كيدال بوساطة ليبية ينهي "التمرد" الذي بدأ عام 2007. ونص الاتفاق على تسليم "المتمردين" أسلحتهم للحكومة وتضمن تفاهمات جديدة بشأن دمجهم في القوات المسلحة، بيد أن قسما منهم رفض الانخراط في مسار التسوية.

وفي عام 2011 عاد آلاف الطوارق الذين كانوا يقاتلون ضمن جيش القذافي -إثر سقوط نظامه بثورة شعبية عارمة- إلى شمالي مالي مدججين بأسلحة ثقيلة، ليبدأ التحضير لـ"تمرد" جديد يهدف إلى إقامة دولة للطوارق.

وفي نهاية العام نفسه، تأسست "الحركة الوطنية لتحرير أزواد" التي بدأ مسلحوها في يناير/كانون الثاني 2012 هجوما استغرق أسابيع على مدن تساليت وأغيلهوك وميناكا في شمالي شرقي مالي قرب الحدود مع الجزائر، مما أجبر عشرات الآلاف من المدنيين على النزوح خاصة إلى الجزائر. وكان هذا الهجوم إيذانا ببدء "تمرد" ثالث هو الأكبر في تاريخ القضية الأزوادية.

وفي 6 أبريل/نيسان 2012 أعلنت الحركة الوطنية قيام دولة مستقلة لأزواديين في شمالي مالي، مستغلة الفوضى الناجمة عن انقلاب عسكري قاده النقيب أمادو سانوغو برفقة ضباط آخرين متوسطي الرتب أطاح بالرئيس أمادو توماني توريه، احتجاجا على ما اعتبره أولئك العسكريون تقصيرا من توريه في مواجهة التمرد المستفحل في الشمال.

وقد مكن ذلك الحركة الوطنية من السيطرة في غضون أيام على مدن أزواد الكبرى كيدال وتمبكتو وغاو، وشاركتها في الأمر جماعات مسلحة بعضها يرتبط على الأرجح بتنظيم القاعدة مثل حركة "أنصار الدين".

ورفضت دول الجوار -وبينها الجزائر وموريتانيا والنيجر- إعلان انفصال أزواد من جانب واحد، بينما ردت عليه المجموعة الاقتصادية لغرب أفريقيا (الإيكاواس) بتشكيل نواة لقوة عسكرية تحسبا لتدخل عسكري قادته لاحقا فرنسا يوم 11 يناير/كانون الثاني 2013 لمواجهة "التمرد" في شمالي مالي.

وقد مكن التدخل الفرنسي الأفريقي خلال أشهر من إفشال طموحات الحركات الأزوادية وطرد المسلحين إلى أقصى الحدود الشمالية، مما أفسح المجال أمام بدء جولات مصالحة خلال 2014-2015 بين الحكومة المالية والأزواديين في الجزائر برعاية الأمم المتحدة، قوامها تسوية يتخلى الأزواديون بموجبها عن الانفصال عن مالي مقابل منحهم حكما ذاتيا واسع الصلاحيات وأولوية في مشاريع التنمية.

الاقتصاد
تحتوي منطقة أزواد على مصادر للطاقة ومن بينها النفط واليورانيوم والذهب. وتمتلك فرنسا عددا كبيرا من الشركات ذات الاستثمارات الضخمة داخل مالي، كشركة الاتصالات الفرنسية "أورانج"، وشركات أخرى تعمل في مجال التنقيب عن الذهب والنفط واليورانيوم. لكن معظم سكانه من البدو الذين يعتمدون في معاشهم على الرعي.

المعالم
يضم إقليم أزواد العديد من العالم التاريخية كالمساجد ومكتبات المخطوطات القديمة والأضرحة، كالتي في مدينة تمبكتو المسماة "مدينة الـ333 وليا" تقديرا لعدد علماء الدين المدفونين فيها.

المصدر : الجزيرة