منبرا الأقصى.. "نور الدين" و"برهان الدين"

منبر نور الدين محمود زنكي- المسجد الأقصى
منبر نور الدين محمود زنكي وُضع بالأقصى بعد تحريره من الصليبيين قبل أن يحرقه مستوطن صهيوني (أطلس معالم الأقصى)

يضم المسجد الأقصى المبارك منبرين رئيسيين لهما تاريخ عريق، ودلالات رمزية، هما منبر نور الدين محمود زنكي، ومنبر برهان الدين بن جماعة، وقد أنشئا في العهدين الأيوبي والمملوكي على التوالي.

منبر نور الدين
يعد هذا المنبر الجليل من أجمل وأروع ما أبدعته يد الإنسان من قطع فنية نادرة، حيث يعتبر أحد أشهر المنابر على مر التاريخ لارتباطه لا بالمسجد الأقصى المبارك فقط، بل بقيمة التحرير، فقد بقي طوال زهاء ثمانمئة عام رمزاً للنصر والتحرير والعزة منذ وضع في مكانه حتى إحراقه.

ويشتهر هذا المنبر بأنه صنع بأسلوب "التعشيق" وهو أسلوب يعتمد على ربط القطع الزخرفية الخشبية بعضها ببعض دون الحاجة لتثبيت بواسطة المسامير أو غيرها. وهذا أسلوب بديع نادر كان معروفاً في حلب، حيث صنع المنبر.

ويسمى هذا المنبر بين العامة باسم "منبر صلاح الدين" نسبة للسلطان الناصر صلاح الدين الأيوبي، وهي تسمية غير دقيقة تاريخياً، ذلك أن الذي أمر بصناعة هذا المنبر لم يكن صلاح الدين وإنما كان سلفه الملك العادل نور الدين محمود بن زنكي.

وقد أمر ببنائه عام 564هـ- 1168م، قبل تحرير الأقصى بتسعة عشر عاماً. فصنع المنبر في حلب وجهز ليتم وضعه في المسجد الأقصى المبارك بعد التحرير من الاحتلال الصليبي. ولكن مشيئة الله عز وجل قضت بوفاة نور الدين محمود دون أن يتمكن من وضعه في مكانه.

وجاء بعده صلاح الدين يوسف فحرر بيت المقدس من الصليبيين، وأمر بإحضار المنبر ووضعه داخل الجامع القبلي بالمسجد الأقصى ليصبح المنبر الرئيسي في الأقصى.

إلا أن هذا المنبر أحرق عمداً على يد مستوطن صهيوني أسترالي يدعى دينيس مايكل روهان يوم 21 أغسطس/آب 1969 بعد حوالي عامين من احتلال مدينة القدس من قبل الصهاينة.

وكان ذلك عندما أقدم ذلك المستوطن على إحراق الجامع القبلي، مما أدى إلى تدمير المنبر بالكامل وتحوله إلى رماد، ولم يبق منه إلا قطع قليلة وضع بعضها في المتحف الإسلامي بالمسجد الأقصى.

ووضع مكانه منبر حديدي مؤقت بقي هناك حوالي 38 عاماً حتى أمر الملك الحسين بن طلال بإعادة بنائه عام 1993. وتكفل الملك عبد الله الثاني بن الحسين بكافة التكاليف المالية لإنجاز العمل، فتم تصنيع منبر شبيه بالمنبر الأصلي في المملكة الأردنية وبنفس الطريقة والخامات وتكون من آلاف القطع الزخرفية الجميلة، ووضع في مكانه عام 2007.

ويذكر أن الملك العادل نور الدين محمود كان قد صنع ثلاثة منابر متشابهة في ذلك الوقت، وضع أحدها في مسجد حلب، والآخر خصص للمسجد الأقصى، أما الثالث فموجود اليوم في المسجد الإبراهيمي في مدينة الخليل.

وتنقسم الكتابة التي وجدت على المنبر إلى قسمين:

أ- كتابة تاريخية كالتي على يسار الخطيب وهو يرتقي المنبر: "بسم الله الرحمن الرحيم، أمر بعمله العبد الفقير إلى رحمته الشاكر لنعمته المجاهد في سبيله المرابط لإعلاء دينه الملك العادل نور الدين ركن الإسلام والمسلمين منصف المظلومين من الظالمين أبو القسم محمود بن زنكي ابن آق سنقر.. في شهور سنة أربعة وستين وخمس مائة".

ب- كتابة قرآنية على يمين الخطيب وهو يرتقي المنبر، كتب قوله تعالى: "إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون".

ج- ويوجد على رقبة المنبر النقش التالي: "بسم الله الرحمن الرحيم. عمل في أيام مولانا الملك العادل الصالح إسماعيل بن محمد ركن". والأرجح أن ركن قد تكون "زنكي".

د- سجّل المشاركون في صنعه أسماءهم على باب المنبر كالتالي: "صنعه ابن ظافر الحلبي رحمه الله، صنعه سليمان بن معالي رحمه الله، صنعة حميد بن ظافر رحمه الله، صنعه فضايل وأبو الحسن ولدي يحيى الحلبي رحمه الله".

منبر برهان الدين
يقع جنوبي صحن الصخرة المشرفة، ملاصقة للبائكة الجنوبية، وحيث تعرف بوائك الأقصى كذلك بالموازيين، فقد سميت هذه القبة باسم قبة الميزان لهذا السبب.

وحيث إنه في الحقيقة منبر فوقه قبة، فقد عرف باسم أشهر هو "منبر برهان الدين"، نسبة إلى قاضي القضاة برهان الدين بن جماعة، الذي أنشأه في عام 790هـ- 1388م، فهو مملوكي العهد.

جُدّد المنبر في عهد السلطان العثماني عبد المجيد بن محمود الثاني، في عام 1259هـ- 1843م، كما تم ترميمه في أواخر عام 2000، على يد مجموعة من الطلبة الإيطاليين، وذلك عن طريق دائرة الأوقاف الإسلامية.

وكان يوجد منبر خشبي جميل في شكله ورشاقته مكان هذا المنبر، وضعه صلاح الدين، ثم أعيد بناؤه من الحجر على النمط الهندسي الذي تشتهر به المنابر المملوكية المعروفة بنقشها وجمالها، ليصبح على مرور الأزمنة تحفة معمارية خالدة تنطق بالجمال والروعة.

يتكون مبنى المنبر المجصص بالرخام من مدخل يقوم في أعلاه عقد يرتكز على عمودين صغيرين من الرخام، ويُصعد منه إلى درجات قليلة تؤدي إلى دكة حجرية (مقعد) معدة لجلوس الخطيب.

وتقوم فوق تلك الدكة قبة لطيفة صغيرة ترتكز على أعمدة رخامية جميلة الشكل, وتحت مجلس الخطيب إلى الغرب قليلا يوجد محراب صغير وجميل، بينما يوجد محراب آخر جهة الشرق نقش داخل جسم الركبة الغربية التي تحمل البائكة الجنوبية.

وهذا المنبر يسميه البعض "منبر الصيف"، لأنه في ساحة مكشوفة، فيستخدم في فصل الصيف فقط عندما يكون الجو مناسباً، لإلقاء الدروس والمحاضرات.

وكان يستخدم للخطابة والدعاء في الأعياد الإسلامية، وكذلك في صلوات الاستسقاء التي تقام في ساحات المسجد الأقصى، إذ لا يوجد في ساحات المسجد منبر غيره.

المصدر : أطلس معالم المسجد الأقصى