باب العزيزية.. أيقونة "جماهيرية" القذافي

باب العزيزية أحد معالم حقبة العقيد الليبي الراحل معمر القذافي، حيث كان موقعا حصينا بالعاصمة طرابلس يضم قاعدة عسكرية مدججة بالسلاح، أنشأه القذافي واتخذه مقرا رئيسيا له، لكنه دمر وسوي بالأرض وأصبح أثرا بعد عين في أغسطس/آب 2011، قبيل شهرين من القبض على العقيد ومقتله على يد مجموعة من ثوار ليبيا.

التأسيس
 
عقب الانقلاب على ملك ليبيا إدريس السنوسي أول سبتمبر/أيلول 1969جاء القذافي إلى السلطة، وأقام في منطقة باب العزيزية جنوب العاصمة طرابلس، وبدأ يتوسع في حصنه على حساب المنازل المجاورة، وألغى طرقا كانت تمر بالقرب من المنطقة، حتى باتت تشغل مساحة ستة كيلومترات مربعة.

أحيط مجمع باب العزيزية -الذي كان يضم معسكرات وخيم استقبال ومقرات سياسية ومنازل للقذافي- بثلاثة أسوار إسمنتية مضادة للقذائف بارتفاع أربعة أمتار، أحدها سور رئيسي على الطريق العام طلي بالأخضر امتد على مسافة نحو 7300 متر، ولم تكن تبرز منه سوى أبراج المراقبة، ويصل سمك السور إلى متر، ولا يمكن اختراقه بدبابة أو مدفع.

استعان القذافي بمستشارين من دول خارجية -منها ألمانيا الشرقية السابقة- لإنشاء حصنه في باب العزيزية التي تعد أكثر القواعد العسكرية الليبية تحصينا وضمها أكثر التشكيلات العسكرية والأمنية تطورا من حيث التدريب والتسليح.

رابطت بالمنطقة الكتائب التي يقود أغلبها أبناء القذافي شخصيا، وضمت غرف التحكم بجميع شبكات الاتصالات، إضافة إلى سراديب وأنفاق يصل طول بعضها إلى ثلاثين كيلومتر، بعضها كان متّصلا بالمطارات والثكنات ووسط المدينة، وبعضها يؤدى إلى البحر.

رهبة 
كانت منطقة باب العزيزية مبعثا للرهبة لكل من يمر بجانبها أو بالقرب منها، وكان سكان طرابلس وضواحيها وزوارها يتجنبون المرور بالقرب من المكان لأنهم كانوا يعلمون جيدا المصير الذي سيواجه أي مواطن عند مروره بجانب ذلك المقر، خصوصا إذا حاول أحدهم رفع عينيه في حصونها وحراسها وجنودها المدججين بالسلاح، وكان الناس يخافون حتى أن ينظروا إلى السور خشية أن يجري اعتقالهم ويتجنبون كذلك السير على الرصيف الموازي له.

محاولة انقلابية 
يوم 8 مايو/أيار 1984 شهد باب العزيزية محاولة انقلابية فاشلة على القذافي قامت بها مجموعة من أفراد "الجبهة الوطنية لإنقاذ ليبيا" وهي عناصر من أركان نظام القذافي هاجرت إلى الخارج وكانت تشرف على معسكرات تدريب لأفرادها قبل تنفيذها لمحاولة الانقلاب، ومن أهم قادتها محمد المقريف، أول رئيس لـالمؤتمر الوطني العام  بعد انتهاء حكم القذافي، وعلي زيدان.

قصف أميركي
تعرض بيت القذافي في باب العزيزية لهجوم أميركي في أبريل/نيسان 1986 في عهد الرئيس رونالد ريغان ردا على اتهام الأجهزة الليبية بالتورط في تفجير ملهى ليلي بالعاصمة الألمانية برلين، وهو التفجير الذي أدى إلى مقتل وإصابة عسكريين أميركيين.

ورغم إجلاء أسرة القذافي قبيل الهجوم بقليل فإن القنابل التي ألقتها الطائرات الأميركية أدت لمقتل ابنة القذافي بالتبني وإصابة اثنين من أبنائه، وقد أمر العقيد بالإبقاء على آثار الهجوم على الجدران  حتى تكون شاهدا على الغارة، وأطلق على البيت اسم "دار المقاومة" و"بيت الصمود" وأقام أمامه نصبا يمثل قبضة يد ذهبية كبيرة تسحق طائرة أميركية.

ثورة فبراير
خلال ثورة 17 فبراير/شباط 2011 التي عمت مختلف أرجاء ليبيا، تركزت القوات الموالية للقذافي في باب العزيزية الذي بات يمثل عاملا مهما في مسارها إذا قرر الثوار اقتحامها، ومن باب العزيزية كان القذافي يلقي خطاباته المتلفزة، وفي خلفية تلك الخطابات كان يبدو نصب الغارة الأميركية كما كان الحال عام 2001 عندما ألقي العقيد خطابا غاضبا بعد صدور الحكم في قضية لوكربي.

استهدفت غارات حلف شمال الأطلسي (ناتو) قاعدة باب العزيزية وأُطلق عليها وابل من الصواريخ مهدت الطريق أمام الثوار لاقتحامها يوم 23 أغسطس/ آب 2011 بعد أن دكت مقاتلات الناتو  تحصيناتها. لكن الثوار لم يعثروا على القذافي وابنه سيف الإسلام، واستولوا على كميات من الأسلحة والذخائر دون أن يواجهوا مقاومة تذكر باستثناء جيب للقوات الموالية للقذافي في حي أبو سليم.

وخلال ساعات، بدأ المواطنون العاديون يتدفقون عبر الأسوار الخرسانية العالية التي كان محظورا عليهم الاقتراب منها ليتفقدوا المساكن الفاخرة وينهبوا أجهزة التلفزيون المسطحة أو لمجرد أن يحتفلوا بسقوط القذافي.

بمرور الأيام تحولت أبنية مجّمع  باب العزيزية إلى ركام٬ وحصونه إلى سوق للحيوانات ومكّب للنفايات٬ ولم يبَق منه سوى قطع من البلاط الأخضر لتدل على وجوده،  كما تحولت أجزاء منه إلى ملجأ لعشرات الأسر الليبية الفقيرة التي لا مأوى لها، وبدا المجمع حقلا شاسعا من الأنقاض وبنايات منهارة ونفايات متناثرة، وحالت الإضرابات الأمنية والسياسية دون تحويله إلى متنزه عام كما وعدت أول حكومة بعد سقوط العقيد ونظامه.

المصدر : الجزيرة + مواقع إلكترونية