شعار قسم مدونات

قراءة في رواية اسمه أحمد

مدونات - اسمه احمد

يتبادر إلى ذهن القارئ قبل البدء في قراءة الرواية تساؤل مهم، ما الذي جعل الدكتور أن يكتب عن أحمد في روايته!! ويظل هذا التساؤل يتسع تدريجيا بعد الشروع في القراءة ليشمل أبعادا أخرى.. هل أحمد هو البطل الخارق الذي يستحق أن تُكتب له رواية باسمه؟.. وكم من أبطال أردنيين فعلوا أعظم مما فعله أحمد؟.. لم اختار أحمد بالذات؟.. وماذا كان أحمد ليستحق التكريم من جهة ووصفه بالخائن والمجرم من جهة أخرى؟
 
أيقنت فيما بعد أن الكتابة عن شخصية متفق عليها لن يضيف شيئا أكثر مما تضيفه الكتابة حول شخصية جدلية لإيضاح حقيقتها التي تَكّتم عن نشرها الكثير "لعدة أسباب". حتى أن اسم الرواية أثار جدلية أخرى، فقد كان يتحدث عن الحوار بين عيسى عليه السلام والنصارى، ولأن النبي أحمد -صلى الله عليه وسلم- كان شخصية جدلية بين التصديق والتكذيب، وكذلك أحمد الدقامسة بين البطولة الإجرام، كانت اسمه أحمد. كنت أفكر أثناء القراءة في اليد التي بسطها الكاتب ليمنح روايته هذه القوة في الجذب، ووصف الحالة النفسية لأحمد بشكل مذهل، كنت أعتقد أحيانا أن من كتب الرواية هو أحمد وليس أيمن، وفي الجانب الآخر كنت أظن أن من عاش التجربة هو أيمن وليس أحمد ليستطيع الكتابة بهذه الطريقة.

 

بعد عشرين عاما من السجن والتعذيب والإغراء والإغواء، هل كانت طريق أحمد الموحشة تحتاج إلى فاطمة؟.. وإن لم تكن! كم سيصمد أحمد؟.. وكم فاطمة عظيمة لتجعل أحمد يصمد كل هذه السنوات؟

تحتوي الرواية على سرد طويل في صفحاتها قد تعتبره البعض مملاً، إلا أنني كنت أستمتع بقوة اللغة، ودقة الوصف، والقوام الفلسفي الذي يبنيه الكاتب في مواطن كثيرة من روايته. بدأت كثير من الحقائق تتشكل في ذهني بهدوء عبر ستمائة وثلاث وأربعين صفحة، والتي كنت أتمنى أن تتباعد المسافات بينها لأبقى مع أحمد فترة أطول، وأترنم باللغة الجميلة من جهة أخرى. علمت فيما بعد أن الكاتب لم يقصد أحمد وإن كانت الصفحات تحوي قصته، بالنسبة لي كنت أرى نفسي أحمد، كنت أشبهه كثيرا، رغم أنني لم أقتل صهاينة، ولم أحمل بندقية، ولم أكن بالأصل منتسبا إلى الجيش، ولكن ربما شابهته في الحلم الذي ولد معنا مذ كنا أطفالا وستبقى فعلت ما لم يستطع أحد أن يفعله، وما يتمناه الكثيرون لو استطاعوا.
 
لكن السؤال الذي كان يؤرقني كثيرا طوال القراءة، هل ستعاقبني الحكومة على حلمي كما فعلت مع أحمد؟. غرس أحمد في رأسي فكرة أنني لم أكن مجنونا عندما كنت أحادث الجمادات التي أراها في طريقي، لأن الروح البشرية لا تموت بموت الجسد، بل إنها تتجسد في كل الأمكنة والأزمنة، ولكن هل نحن نرى هذه الأرواح لأنها بالفعل موجودة؟.. أم لأننا نريد أن نراها؟ "الأرواح لا أعمار لها يا أحمد، إنها تعيش في كل الأزمنة، وتتجسد في كل الأمكنة".

 

حملت الصفحات في طياتها سمة الترقب والحماس والدهشة والسردية، إضافة إلى الحكمة التي تمثلت في عبارات عدة، تجبر القارئ على الوقوف عندها..
"ليس بإمكاني أن أعيش كل حياتي كما أريد، لكنني لن أتركها تسير بلا غاية"
"بالمال تستطيع أن تشتري من لا أخلاق له"
"ما دام عالمك الداخلي صالحا، فلا يهمك خراب عالمك الخارجي"
"كنت من النوع الذي إذا أصر على شيء تضافرت له أقدار السماء كي ينفذ ما يريد"
والكثير من العبارات التي تجبر العيون المتحفزة على التأمل فيها، وربما إدخالها في مختبر التجربة الذاتية للقارئ، إذ أن معظمها تخاطب الوجدان الإنساني.

 

 undefined

 

بعد عشرين عاما من السجن والتعذيب والإغراء والإغواء، هل كانت طريق أحمد الموحشة تحتاج إلى فاطمة؟.. وإن لم تكن! كم سيصمد أحمد؟.. وكم فاطمة عظيمة لتجعل أحمد يصمد كل هذه السنوات؟.. وبعد كل هذه السنوات المتواطئة ضد أحمد، هل هو نادم على فعله؟.. ولو عادت به الأيام، هل سيكرر ما فعل أم لأ؟.. كل هذه الأسئلة أجاب عنها أحمد في نهاية الرواية. ربما أحمد لم يكن بطلا خارقا، ولا المعصوم عن الأخطاء، لا الرجل المثالي، لكنه الثابت على الحق في زمن كثر فيه الزيف، وضاعت فيه القيم وغُيّب فيه الضمير " والثابت الواحد على الحق كثير". أحمد هو من أيقن أن طريق الفوز صعبة، وأن الصعب على هذا الطريق أصعب، لكنها ثمرتها الحلوة قد تنسبك تعبك.

 

أحمد هو من أيقن أن الحقوق لا تؤخذ إلا انتزاعا، لذلك كان شرسا في حقه، وأن النيات الصادقة وحدها لا تجلب الحق، ولا تدحر الظلم، ولا تصلح الفساد، إلا إذا طرزتها بالعمل، ووجدت على طريق الحق أعوانا. أحمد هو العظيم الذي أيقن أن العظماء يجب أن يموتوا بطريقة عظيمة، وأن أعظم الأشجار تلك التي تسقط أوراقها ولا تسقط هاماتها. أحمد هو من أيقن القراءة تُحيي النفس، وأن الحبَّ يُرمم الأرواح المتعبة.

 
"الكتاب الذي تقرؤوه يقربك مني، إنه تعويذة الحب بيننا،
وأن عيون فاطمة هي الوطن الذي تبذل في سبيله الهمم، وتُشق لأجله الصعاب، وأنه لن يرضى بدون عيونها وطنا.
في النهاية وإن كان كل هذا يجبرنا أن نحب أحمد، إلا أننا أحببنا عمله المرتبط بحب فلسطين. 
وفي النهاية "هذا هو البطل، حين تكبر عليك أن تكون مثله".

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.