شعار قسم مدونات

أن تعشقيه.. كاتبا

blogs - writer

لا تكابري…

أراك من موقعي هذا وأنت منزوية في مكان ما من غرفتك، مكتفية بإضاءة خافتة، ومنهمكة في مطالعة الرواية الجديدة لكاتبك المفضل، وقد تمكن "كالعادة" من أخذك إلى عوالم أخرى بفضل قوة أسلوبه وسلاسة لغته وسعة خياله والغزارة المعلوماتية التي يقدمها، والتي أثبتت لك مرة أخرى بأنه كاتب حقيقي فعلا، يبني بكلماته مشروعا أدبيا راسخ الأساسات واضح المعالم، ويشتغل على أعماله بصبر كبير وإتقان منقطع النظير، دون أدنى رغبة منه في الارتماء في أحضان الشهرة الكاذبة، بكل متاعبها المخيفة وفخاخها المرعبة، فهو مؤمن بما قاله يوما ما العبقري الراحل شارلز بوكوفسكي "إذا كنت تفعلها للمال أو الشهرة…فلا تفعلها!"

 

فجأة ينقطع حبل أفكارك، وتتراخى قبضتك الممسكة بخيوط الأحداث المتشابكة بين دفتي الكتاب، فتغلقينه بحركة سريعة، وتتشاغلين بمداعبة خصلات شعرك الحريري الأسود، ثم تستسلمين بلذة خفية لأحلامك السرية التي ترفضين مشاركتها مع الآخرين، حتى لا يسخر منك أحد، أو يتهمك البعض بالبله والجنون.

 

أنت تريدينه لك، ليكون رفيق عمرك الأبدي، يهديك كل أعماله القادمة، ويطلعك على مسودات رواياته قبل إرسالها للناشر، ويكرر على مسامع الجميع أنك صاحبة الفضل في ما وصل إليه من نجاح، فيما تتسابق وسائل الإعلام على الظفر بتصريح منك يكشف عن جزء من طقوسه في الكتابة..

 

إن شعرت يوما ما بأنه وصل إلى درجة الامتلاء والعجز عن الإتيان بجديد، فعندئذ سيحين دورك للتدخل والوقوف بجانبه، لن يجد أفضل منك لمساندته وتحفيزه

نعم، نعم، أرى ملامح الدهشة على وجهك!

كيف عرفت كل هذه التفاصيل؟ وكيف تمكنت من العثور على مفاتيح ذلك الجانب المظلم من خيالك؟

لن أجيبك، فذلك سر أحتفظ به لنفسي…

من حسن حظك أنني أعرف عنه الكثير أيضا، فتعالي إذن لأطلعك على وجه آخر لحقيقة لا تعرفين عنها ربما أي شيء…

سيحبك، هذا أكيد، لكن لا تنتظري منه حبا تقليديا مألوفا…

سيكون مخلصا لك، لكن بطريقته، قد لا تسمعين منه غزلا لأشهر، لكنه قد يكتب مجلدات كاملة في وصف جمال عينيك…

 

واضح جدا أنك تنتظرين منه معسول الكلام، اعتمادا على ما يقوله على لسان أبطال رواياته، فلتعلمي أنه صموت قليل الكلام، لأن الكتابة يا سيدتي فعل عزلة وانطواء، ومن تتدفق كلماته بتلك السلاسة على الورق، يعجز غالبا عن ترجمتها على أرض الواقع…

 

قد يتذكر عيد ميلاد إحدى شخصياته وينسى عيدك أنت، وإن تذكره فلا تنتظري منه عطورا أو مجوهرات أو كومة ملابس، فهو لا يفقه في تلك العوالم الغريبة شيئا، قد يكتفي بكتاب صغير، هو بالنسبة إليه أثمن وأروع هدية قد يعبر بها عن تقديره لك.

 

لا تستغربي إن حدثك عن شخصياته بافتتان، سيطلعك على تفاصيل حياتها بدقة، ويقول لك بأن عثمان سليم فضولي غير متسامح رغم طيبة قلبه، وأن ميرال دميان أنثى ضعيفة تبحث عن الأمان رغم تظاهرها بالقوة، وأن جوناثان رايلي مازال محتفظا ببعض الإنسانية رغم غرقه في وحل الجريمة، وأن برانكو رازناتوفيتش يخفي في أعماقه سرا ما رغم تظاهره بالعبث واللامبالاة، مع أن كل الأسماء المذكورة أعلاه هي لشخصيات من ورق، وليست من لحم ودم!

 

لا تفرطي في الغيرة إن أخبرك بوقوعه في غرام واحدة من شخصياته، هي مجرد خيانات صغيرة عابرة، كوني صبورة وتحمليها، وتذكري بأن سعاد زوجة عبد الرحمن منيف شهدت بأم عينها كيف كان زوجها يكلم صديقه جبرا إبراهيم جبرا هاتفيا، ليسأله باستمرار عن أحوال نجوى العامري، بطلة عملهما المشترك "عالم بلا خرائط"، وهل هي مرتاحة عنده أم لا!

 

قلت لك بأنه قليل الكلام، هذا صحيح، لكنه يعوض صمته بقدرة هائلة على الإنصات والملاحظة، سيستمع لكل كلمة تقولينها بانتباه شديد، لكن لا تنزعجي إن قام بتوظيف بعض أسراركما الصغيرة في كتاباته، اطمئني، سيمررها بطريقته الخاصة التي لن يكتشف خباياها أحد..

 

لا تتوقعي منه التفكير في مغريات الحياة المادية، من ملابس وفيلات فخمة وسيارات فارهة، هو يسخر من تلك السطحيات ويكتفي بأقل القليل، فطموحاته وأحلامه الحقيقية أوسع وأقوى من أن يحتملها هذا الكون رغم شساعته..

 

كوني حذرة في التعامل مع تقلباته، قد ينسى وجودك تماما عندما ينهمك في خلق عوالمه، وقد يتحول إلى وحش كاسر إن أصابته لعنة الورقة البيضاء وعجز عن كتابة حرف واحد، لكنه سيعود إليك مع نهاية كل عمل جديد أقوى عزيمة وأكثر قدرة على العطاء.

 

لا تشكي في قدراته العقلية إن ارتمى في أحضانك يوما ما وهو يبكي، قائلا بأنه مجرم يستحق العقاب، هو فقط يذرف الدموع حزنا على وفاة واحدة من شخصياته العزيزة على قلبه، بعدما اضطر لقتلها خدمة لمجريات أحداث روايته.

 

قد يتذكر عيد ميلاد إحدى شخصياته وينسى عيدك أنت، وإن تذكره فلا تنتظري منه عطورا أو مجوهرات أو كومة ملابس، فهو لا يفقه في تلك العوالم الغريبة شيئا، قد يكتفي بكتاب صغير

ستشعرين بالفخر والزهو، وأنت تتابعين باهتمام أخبار نجاحاته، ولكن لا تتوقعي منه أن يكون راضيا عما وصل إليه، سيقول دائما بأنه يتمنى لو أنه كتب أعماله الناجحة بطريقة أفضل، كما سيصر حتى آخر يوم في حياته على القول بأن أفضل رواياته هي تلك التي لم يكتبها بعد.

 

إن شعرت يوما ما بأنه وصل إلى درجة الامتلاء والعجز عن الإتيان بجديد، فعندئذ سيحين دورك للتدخل والوقوف بجانبه، لن يجد أفضل منك لمساندته وتحفيزه على المضي قدما نحو هدفه، أو بالأحرى معركته التي قطع على نفسه وعدا بأنها لن تنتهي إلا بالنصر أو الموت..

 

ولكن، هل أنت قادرة على تحمل هذه المسؤولية الجسيمة؟

ها قد تغيرت سحنتك، وانتقلت ملامحك من التعبير عن الدهشة إلى التردد والخوف…

ألم أقل لك بأن الحقيقة لا علاقة لها بما كنت تحلمين به؟

طيب…

احسمي قرارك من الآن، أما زلت مصرة على الغرق في بحر أحلامك، أم أنك ستعودين إلى أرض الواقع مكتفية بقراءة أعمال كاتبك المفضل وانتظار جديده؟

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.