الانتخابات العراقية: تحديات الديمقراطية في مواجهة سطوة المال

الكاتب: تواجه المفوضية العليا المستقلة للانتخابات وهيئات النزاهة في العراق تحديا كبيرا في تتبع مصادر الأموال الضخمة التي يتم ضخها في الحملات (مواقع التواصل الاجتماعي)

تتجه أنظار العراقيين والمهتمين بالشأن الإقليمي نحو محطة ديمقراطية جديدة، مع تحديد موعد الانتخابات التشريعية المقبلة، في خطوة تأتي وسط تحديات سياسية واقتصادية وأمنية معقدة.

وقال المكتب الإعلامي لرئيس الوزراء محمد شياع السوداني، في بيان مقتضب، إن "مجلس الوزراء صوت على تحديد يوم 11 نوفمبر/تشرين الثاني 2025 موعدا لإجراء الانتخابات التشريعية".

وكانت المفوضية العليا المستقلة للانتخابات في العراق شرعت بتحديث سجلات الناخبين، وأظهرت أن نحو 30 مليون عراقي من أصل 46 مليونا يحق لهم التصويت والمشاركة في رسم مستقبل البلاد التشريعي والسياسي.

هذا الاستحقاق لا يمثل مجرد عملية اقتراع دورية، بل يُنظر إليه كاختبار حقيقي لمسار الديمقراطية الوليدة في البلاد، وقدرتها على الصمود في وجه واحد من أخطر التحديات التي تواجهها: المال السياسي.

الكيانات السياسية الكبيرة والمدعومة من شخصيات ثرية أو قوى خارجية تمتلك قدرة هائلة على حشد الأنصار والوصول إلى قاعدة جماهيرية واسعة

شبح المال السياسي: التأثير الخفي في إرادة الناخبين

مع اقتراب كل دورة انتخابية، يبرز الحديث بشكل متزايد عن دور المال في توجيه الحملات الانتخابية والتأثير على نتائجها.

لم يعد الأمر مجرد تكهنات، بل تحول إلى ظاهرة شبه معلنة تؤرق المواطن العراقي وتضعف ثقته في مجمل العملية السياسية.

يتم استخدام الأموال بطرق متعددة، تبدأ من الدعاية الانتخابية الضخمة التي تغطي الشوارع بشعارات وصور المرشحين، ولا تنتهي عند شراء الأصوات بشكل مباشر أو غير مباشر من خلال تقديم مساعدات عينية أو وعود بالتوظيف.

تخلق هذه الممارسات حالة من عدم تكافؤ الفرص بين المرشحين والأحزاب. فالكيانات السياسية الكبيرة والمدعومة من شخصيات ثرية أو قوى خارجية تمتلك قدرة هائلة على حشد الأنصار والوصول إلى قاعدة جماهيرية واسعة.

في حين تجد الكفاءات المستقلة والقوى الناشئة نفسها عاجزة عن المنافسة؛ بسبب ضعف الإمكانات المادية. هذا الواقع يهدد بتكريس هيمنة نفس الوجوه والكتل السياسية، ويحول دون ضخ دماء جديدة في الجسد التشريعي قادرة على إحداث تغيير حقيقي.

يقع على عاتق الحكومة والأجهزة الرقابية مسؤولية تاريخية في توفير بيئة انتخابية عادلة تسمح للمواطن باختيار ممثليه بحرية تامة، بعيدا عن أي ضغوط أو إغراءات مادية

تحديات الرقابة والقانون

إعلان

على الرغم من أن قانون الانتخابات العراقي يضع سقوفا للإنفاق الانتخابي ويجرم شراء الأصوات، فإن آليات الرقابة والمحاسبة تبدو قاصرة عن لجم هذه الظاهرة.

تواجه المفوضية العليا المستقلة للانتخابات وهيئات النزاهة تحديا كبيرا في تتبع مصادر الأموال الضخمة التي يتم ضخها في الحملات، وإثبات المخالفات بشكل قانوني قاطع.

يستغل المتنفذون الثغرات القانونية وغياب الشفافية الكاملة في تمويل الأحزاب لفرض نفوذهم.

فالكثير من التعاملات تتم بعيدا عن القنوات الرسمية، مما يجعل من الصعب إخضاعها للمساءلة.

ويرى مراقبون أن مواجهة هذا الخطر لا تقتصر على تشديد القوانين فحسب، بل تتطلب إرادة سياسية حقيقية وجادة لتطبيقها على الجميع دون استثناء.

إدراك الناخب خطورة بيع صوته وأثر ذلك على مستقبله ومستقبل أبنائه هو السلاح الأقوى في مواجهة سطوة المال السياسي

نحو مستقبل ديمقراطي أكثر نزاهة

إن تحديد موعد الانتخابات وتحديث سجلات الناخبين يمثلان خطوات إجرائية ضرورية، لكن نجاح العملية الديمقراطية لا يكتمل إلا بضمان نزاهتها وشفافيتها.

يقع على عاتق الحكومة والأجهزة الرقابية مسؤولية تاريخية في توفير بيئة انتخابية عادلة تسمح للمواطن باختيار ممثليه بحرية تامة، بعيدا عن أي ضغوط أو إغراءات مادية.

كما أن وعي الناخب العراقي يبقى هو حجر الزاوية في هذه المعادلة.

فإدراكه خطورة بيع صوته وأثر ذلك على مستقبله ومستقبل أبنائه هو السلاح الأقوى في مواجهة سطوة المال السياسي.

تتجه الأنظار الآن إلى 11 نوفمبر/تشرين الثاني 2025، على أمل أن يكون هذا اليوم خطوة إلى الأمام في ترسيخ تجربة ديمقراطية حقيقية تعبر عن إرادة العراقيين في بناء دولة المؤسسات والعدالة.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.


إعلان