إن الغاية الأساسية من البحث العلمي هي التأثير الذي ينعكس على رفاهية الإنسان، والارتقاء بالمجتمع من خلال حل معضلاته واستشراف مستقبله، فالنتيجة النهائية للعلم ليست ورقة بحثية تنشر في مجلة عالية المستوى؛ بهدف الترقية أو الرضا الذاتي، بل المسؤولية الأخلاقية والاجتماعية.
إن النخبة الأكاديمية هي القاطرة التي تقود العقول وتبني الأمم، ولكن مع الأسف نرى تقصيرا – إن لم يكن تخاذلا- تجاه القضية الفلسطينية بصفة عامة وطوفان الأقصى بصفة خاصة، وذلك مقارنة بما يقوم به الأكاديميون الصهاينة
وتعد هذه المسؤولية في هذه المرحلة التي تمر بها الأمة بل الإنسانية؛ فريضة إسلامية وضرورة حضارية، فقد وصلت الحضارة الحديثة وحداثتها إلى الهاوية، وهو ما يستوجب على علماء الأمة إنقاذ البشرية قاطبة، فضلا على إنقاذ الأمة، وفي ذلك يقول الإمام الجويني: "إذا شغر الزمان عن الإمام وخلا عن سلطان ذي نجدة وكفاية ودراية، فالأمور موكولة إلى العلماء، وحق على الخلائق على اختلاف طبقاتهم أن يرجعوا إلى علمائهم، ويصدروا في جميع قضايا الولايات عن رأيهم، فإن فعلوا ذلك، فقد هدوا إلى سواء السبيل، وصار علماء البلاد ولاة العباد".
ومن نافلة القول إن الرجوع للعلماء لا يقتصر على علماء الشريعة فحسب بل إلى كل عالم متخصص في مجاله لقوله تعالى: (فاسألوا أهل الذّكر إن كنتم لا تعلمون) [النحل: 43].
إن النخبة الأكاديمية هي القاطرة التي تقود العقول وتبني الأمم، ولكن مع الأسف نرى تقصيرا – إن لم يكن تخاذلا- تجاه القضية الفلسطينية بصفة عامة وطوفان الأقصى بصفة خاصة، وذلك مقارنة بما يقوم به الأكاديميون الصهاينة.
إذ تشير الإحصائيات إلى أن عدد الأكاديميين العرب يقارب نصف مليون، يقومون بتدريس أكثر من 13 مليون طالب وطالبة في أكثر من 1300 مؤسسة للتعليم العالي في الوطن العربي – أي ما يعادل 4.2% من الجامعات على مستوى العالم.
لم تعد المعرفة حيادية تطمح إلى رفاهية البشرية، بل صارت أداة وسلاحا في يد من يمتلكها ليستغلها في تحقيق مآربه
وبالرغم من هذا العدد الهائل فإننا لا نرى طحينا ولا ضجيجا، وكأنهم في كل وادٍ يهيمون، ففي دراسة قمت بها حديثا لاحظت أن عدد المقالات الأكاديمية باللغة العربية عن طوفان الأقصى لا تتجاوز بضعة مقالات معدودة في كل من مجالات الدراسات الدينية والحقوقية والاجتماعية والأدبية، أما المجالان السياسي والإعلامي فكانت الدراسات أكثر كمّا إلى حد ما، لكنها كانت في معظمها مكررة ومعادة ولا تتسم- كسابقتها – بالعمق.
على النقيض من ذلك نجد أن العدو الصهيوني نشر مئات الدراسات عن طوفان الأقصى، وأن إنتاج المعرفة كان عنصرا فاعلا في معركته غير المشروعة. يشير تقرير المقررة الخاصة فرانشيسكا ألبانيز المعنية بحالة حقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ عام ،1967 الصادر بعنوان: "من اقتصاد الاحتلال إلى اقتصاد المعرفة" إلى دور الأكاديميين والباحثين في شرعنة انتهاكات الاحتلال.
فقد ذكر التقرير صراحة أن الجامعات في إسرائيل تساهم في دعم أيديولوجية الفصل العنصري، وتبنّي وترويج الرواية الإسرائيلية التي تمحو التاريخ الفلسطيني وتبرر ممارسات الاحتلال.
يلزم النخبة أن تسخر ما تملك من معرفة في خدمة قضاياها، وعلى رأسها قضية الأمتين الإسلامية والعربية قضية فلسطين، وإلا صارت الأبحاث وصمة عار إن لم تكن خنجر خيانة
هذا بالنسبة لأقسام العلوم الاجتماعية مثل كليات الحقوق ودراسات الشرق الأوسط وكليات الآثار، أما الأقسام العلمية فتعمل بوصفها مراكز بحث وتطوير للتعاون بين الجيش الإسرائيلي وشركات الأسلحة، وبالتالي تساهم في إنتاج أدوات المراقبة، والسيطرة على الحشود، والحرب في المناطق الحضرية، والتعرف على الوجه، والقتل المستهدف.
ولا يتوقف ذلك- وفقا للتقرير- على الجامعات الصهيونية، بل إن جامعات عالمية رائدة تتعاون مع مؤسسات في دولة الكيان لإلحاق الضرر المباشر بالشعب الفلسطيني.
لم تعد المعرفة حيادية تطمح إلى رفاهية البشرية، بل صارت أداة وسلاحا في يد من يمتلكها ليستغلها في تحقيق مآربه، وإن ما تمر به الأمة من نكسة منذ قرون يتطلب رؤية إستراتيجية للنهوض بها بعيدا عن سياسة إطفاء الحرائق.
وهذا لن يكون إلا من خلال النخبة التي يلزم عليها أن تسخر ما تملك من معرفة في خدمة قضاياها، وعلى رأسها قضية الأمتين الإسلامية والعربية قضية فلسطين، وإلا صارت الأبحاث وصمة عار إن لم تكن خنجر خيانة.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
