معاناة الروائيين الجدد مع دور النشر العربية

FILED - وحيد تاجا، المتحدث الصحفي باسم دار الفكر، إحدى دور النشر الأكثر شهرة في دمشق، يتذكر إخفاء الكتب عن النظام الاستبدادي. صور: Moawia Atrash/dpa Credit: Moawia Atrash/dpa
الكاتب: نصحني بعض الأصدقاء بنشر الروايتين عبر وسائل التواصل؛ علّهما تظفران بإقبال أوسع مما قد يتيحه النشر الورقي لكاتب مغمور (وكالة الأنباء الألمانية)
  • دار نشر.. كرامة لله يا محسنين

لم يخطر ببالي، وأنا أضع اللمسات النهائية على الروايتين الأوليَين اللتين كتبتُهما، أن المرحلة الأصعب في عالم الرواية ليست مرحلة إيجاد الفكرة العامة في زمن تُعد فيه الفكرة الجديدة وغير المطروقة من أسس العمل الروائي، ولا هي مرحلة إطلاق الخيال لابتكار الشخصيات ومسار الأحداث وعناصر الجذب للقارئ، ولا حتى مرحلة الصياغة النهائية بعد عذابات الكتابة والمحو والتعديل والمراجعة.

بل ما تبين لي أن النشر هو المرحلة الأصعب والأكثر إحباطا، تلك التي تدفعك إلى اليأس وربما الندم على ما بذلت من وقت وجهد، رغم كثرة دور النشر المهتمة بالرواية وتعدد المسابقات الأدبية التي تتخذها موضوعا.

وسعت دائرة الدور التي خاطبتها.. ومجددا، تكرمت إحداها بالرد معتذرة لأن موضوع الروايتين لا يوافق خطتها للنشر في المرحلة المقبلة

حين أنهيت الروايتين، بدأت بإرسالهما إلى العديد من دور النشر المعروفة، أو التي تعرفت إليها عبر البحث في شبكة المعلومات. ومع إدراكي صعوبة نشر اسم جديد وافد إلى عالم الرواية -على اعتبار أن دور النشر في النهاية تسعى إلى الربح- فإن تجربتي في المقالات والمدونات، وما صاحبها من سهولة النشر في الدوريات والصحف والمواقع والمنصات، جعلتني أظن أن نشر الأعمال الروائية سيكون متاحا، ولو بصعوبة نسبية، بعد طرق أبواب أكثر من دار.

توالت محاولاتي لإرسال النصين إلى دور النشر، سائلا عن مدى استعدادها لنشرهما. كنت أعتقد أن ردا ما لا بد أن يصلني، سواء بالاعتذار أو بطلب مهلة لدراسة العمل، أو ما شابه ذلك. لكن المفاجأة أن معظم المراسلات -رغم تذكيري المتكرر- لم أتلقَ عليها أي رد، مع أن الدور التي اخترتها من بين الأسماء الناشطة والمعروفة في حقل الرواية.

واحدة فقط ردت قائلة إنها ستعرض النصين على لجنة القراءة وتوافيني بجواب خلال ثلاثين يوما، لكنّ أشهرا طويلة مضت دون أن يصلني منهم خبر، رغم تذكيري لهم بأنني ما زلت بانتظار الرد.

إعلان

وسعت دائرة الدور التي خاطبتها.. ومجددا، تكرمت إحداها بالرد معتذرة لأن موضوع الروايتين لا يوافق خطتها للنشر في المرحلة المقبلة. وأخرى أجابت بأن باب التقديم أُقفل لهذا العام، طالبة مني إعادة الإرسال مطلع العام القادم.

كان لا بد للعلاقات الشخصية أن تلعب دورها. فقد قرأ الصديق الشاعر منذر مصري الروايتين وأُعجب بهما، وأصر على أنهما جديرتان بالنشر، مقترحا أن أتحمل جزءا من تكاليف الطباعة والتوزيع في ترتيب مالي معقول

شيئا فشيئا تسلل اليأس إلى نفسي وأقعدني عن مواصلة البحث، معتقدا أن الأبواب قد أُغلقت. نصحني بعض الأصدقاء بنشر الروايتين عبر صفحتي على "فيسبوك"؛ فلعلهما تظفران بإقبال أوسع مما قد يتيحه النشر الورقي لكاتب مغمور.

لكن سحر الحبر والورق، وبهجة رؤية الاسم مطبوعا على غلاف ملون، ما زالا يثيران في داخلي تلك الرغبة العميقة. آخرون نصحوني بالنشر الذاتي من دون اللجوء إلى دار نشر، وهو حل قد يبدو معقولا، لكن توزيع الروايتين سيكون مرهقا وغير مضمون النتائج، إذ يتطلب تفرغا ووقتا وتنقلا بين المدن والمحافظات.

بقيت الروايتان حبيستَي جهاز الحاسوب، تنتظران معجزة تتمثل في رد إيجابي من إحدى الدور التي قصدتها برسائلي الإلكترونية. غير أن مراجعاتي اليومية لبريدي الإلكتروني، أملا برسالة تحمل خبرا مفرحا، لم تُسفر عن شيء.

في النهاية، كان لا بد للعلاقات الشخصية أن تلعب دورها. فقد قرأ الصديق الشاعر منذر مصري الروايتين وأُعجب بهما، وأصر على أنهما جديرتان بالنشر، مقترحا أن أتحمل جزءا من تكاليف الطباعة والتوزيع في ترتيب مالي معقول.

وفعلا، ساعدت العلاقة بين صديقنا الشاعر ومدير دار النشر، إلى جانب مساهمتي بجزء من التكاليف، على إنقاذ الروايتين من أسر جهاز الحاسوب.

وعرفت أحداثهما وشخصياتهما طريقها إلى كتاب مطبوع، يعلوه اسمي على غلاف أنيق، وإن كان وصوله إلى أيدي القراء ما زال يحتاج إلى وقت ومشاركة من الناشر في معارض الكتب. لكن توسلنا بعبارة: "دار نشر.. كرامة لله يا محسنين" جاء بنتيجة إيجابية.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.


إعلان