قال الأمين العام لجامعة الدول العربية، أحمد أبو الغيط، إن "انعقاد القمة في ذاته هو رسالة، جوهرها أن قطر ليست وحدها، وأن الدول العربية والإسلامية تقف إلى جوارها".
جاء ذلك خلال حضوره القمة العربية والإسلامية الاستثنائية في العاصمة القطرية، الدوحة، بعد أيام من استهداف العدو الإسرائيلي للدوحة في محاولة لاغتيال قادة حركة حماس، في 9 سبتمبر/أيلول الجاري، عبر غارات استهدفت المقر أثناء اجتماعهم للبت في الورقة الأميركية المقترحة للتوصل إلى تسوية تنهي العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة.
"الضربة التي لا تقتلك تقويك"، مقولة فلسفية تنطبق على واقع حركة حماس بعد الضربة الفاشلة، إذ زادت من عزيمة المقاومة وصمودها في وجه الاحتلال وجرائمه بحق الشعب الغزي والفلسطيني عموما
لا خلاف حول أهداف إسرائيل من الغارة، التي حملت في أبعادها نوايا رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، لإفشال كل وساطة قد تدفع نحو إنهاء الحرب. فبدلا من أن يسارع إلى تقديم الاعتذار لدولة قطر التي اعتدى على سيادتها، ذهب بعيدا في وقاحته وطالبها بترحيل وفد حركة حماس المفاوض أو محاسبته.
ما من شك في أن إسرائيل، بكل أجهزتها، فشلت في تحقيق أهداف الضربة لاغتيال قادة حماس، حيث يرى نتنياهو أن ذلك ضرورة حتمية لإنهاء حرب غزة.
غير أن الرجل ليس صادقا في هذا، وإجرامه اللامحدود لن يتوقف عند اغتيال القادة، فالمخطط بات واضحا: جنونه، إن لم يوقفه الأميركيون، سيأخذ المنطقة إلى حرب كبرى.
لقد أحرجت الضربة الفاشلة الحليف الأميركي التاريخي لإسرائيل، الذي يزوره وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو، ليؤكد التزام بلاده بضمان أمن إسرائيل.
لكن ذلك لم يمنع الرئيس دونالد ترامب من تقديم الاعتذار إلى سمو الأمير تميم بن حمد آل ثاني، وتعمده لقاء رئيس الحكومة القطرية ووزير خارجيتها الشيخ محمد بن عبدالرحمن آل ثاني، مساء الجمعة 12 سبتمبر/أيلول في واشنطن، ليؤكد له متانة الحلف بين البلدين، ويعده بأن مثل هذا لن يتكرر أبدا.
"الضربة التي لا تقتلك تقويك"، مقولة فلسفية تنطبق على واقع حركة حماس بعد الضربة الفاشلة، إذ زادت من عزيمة المقاومة وصمودها في وجه الاحتلال وجرائمه بحق الشعب الغزي والفلسطيني عموما. أما وقد نُفذت الضربة على أرض دولة قطر، فهي حتما فاشلة وقاتلة لإسرائيل.
لقد وضعت إسرائيل نفسها في دائرة العزلة الدولية، وبدأت التقارير الإعلامية تؤكد أن استمرار نتنياهو في جنونه يضع مصير الكيان في دائرة خطر الوجود
لم يكتفِ العالم العربي والإسلامي بتقديم الإدانة، بل قرر الذهاب بعيدا في شجب العدوان، فأصر على حضور قمة قطر لتأكيد أن هذا الاعتداء لن يمر مرور الكرام، ولن تُمحى آثاره بمجرد اعتذار. إذ بدا أن هناك إصرارا وإجماعا على وقف العدوان، ومقاطعة إسرائيل حتى سقوط حكومة نتنياهو اليمينية المتطرفة ومحاسبته على جرائمه.
لقد فشلت الضربة حتما، إذ إن المقترحات التي خرجت بها قمة الدوحة تؤسس لمرحلة جديدة من التحالفات، خصوصا مع مشاركة طهران وتقاربها مع مصر لتوحيد الجهود العربية والإسلامية في مواجهة هذا المجنون الذي يقود المنطقة برمتها إلى الانتحار.
وقد تقدم المصريون بطرح إنشاء جيش عربي وربما إسلامي يردع العدو ويمنعه من تكرار فعلته، أو على الأقل يجعله يفكر مليا قبل الإقدام على أي ضربة عسكرية متهورة.
إن أهمية القمة ونجاحها سبقت انعقادها وبيانها الختامي، إذ دفعت بواشنطن إلى "هرولة" وزير خارجيتها إلى المنطقة، وتحديدا إلى إسرائيل، لتفادي عزل الكيان بعدما أصرت دولة قطر على المحاسبة وعدم التهاون أمام أي محاولة لتعريض أمنها القومي وأمن مواطنيها للخطر.
لقد وضعت إسرائيل نفسها في دائرة العزلة الدولية، وبدأت التقارير الإعلامية تؤكد أن استمرار نتنياهو في جنونه يضع مصير الكيان في دائرة خطر الوجود.
فرضية باتت أقرب إلى الواقع، إذ إن الضربة على قطر أيقظت الحس العربي والإسلامي تجاه أطماع الكيان المارق، وإن أي تهاون قد يشجعه على تكرار اعتداءاته على سيادة دول أخرى بذريعة واهية وسخيفة.
إن قمة الدوحة نجحت شكلا ومضمونا، واستطاعت لأول مرة منذ تأسيس دولة إسرائيل أن تضع مصيرها على المحك، يتأرجح عند حدود قيام الدولتين الفلسطينية والإسرائيلية
لن تكون إسرائيل بمنأى عن المحاسبة، وما قامت به سيكون خطيئة سيدفع ثمنها أجيال من اليهود في المنطقة والعالم. فقد أكد الجميع أن الواقع لم يعد يحتمل، وأن الدعم الأميركي المطلق لإسرائيل لا بد أن تكون له حدود.
كما أن خيارات المجتمعين في الدوحة باتت واسعة على ضوء الانقسام الدولي والصداقات التي تبنيها قطر ومجموعة الدول المشاركة، ما يضع المصالح الأميركية في المنطقة والعالم ضمن دائرة التهديد.
أخطأ نتنياهو في قراره، ورغم الوعيد والتهديد الذي يسعى من خلاله إلى تبرير عملياته الأولى، فإن الأمر انعكس سلبا على سياساته وحكومته وربما على كيانه كله. وإن الاستمرار في حربه سيضع حياة الإسرائيليين أمام خطر الحرب الكبرى، في ظل تحالفات جديدة تجتمع تحت شعار "البعبع الإسرائيلي".
ولهذا سيكون على الأميركيين دور حاسم في ردع أطماع نتنياهو ووقف جنونه الذي يدفع المنطقة للاشتعال.
وهكذا، فإن قمة الدوحة نجحت شكلا ومضمونا، واستطاعت لأول مرة منذ تأسيس دولة إسرائيل أن تضع مصيرها على المحك، يتأرجح عند حدود قيام الدولتين الفلسطينية والإسرائيلية.
ومهما حاول نتنياهو الحديث عن حلم الدولة الإسرائيلية الكبرى، فسيبقى مجرد وهم، وأقصى ما يمكن أن يحلم به هو كيفية الخروج من السجن الذي وضع فيه إسرائيل والإسرائيليين.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

