هل تراهن إسرائيل على إعادة "بهلوي"؟

رضا بهلوي
رضا بهلوي الثاني، الابن الأكبر لشاه إيران محمد رضا بهلوي من زوجته الثالثة فرح ديبا وولي عهده (الجزيرة)
  • قراءة في خطاب الانقلاب الناعم على إيران

خلال الحرب الأخيرة بين إيران والكيان الإسرائيلي، تصدّرت صفحات "إسرائيل تتكلم بالعربية" منشورات توحي بتحوّل إستراتيجي في النظرة الإسرائيلية تجاه الداخل الإيراني.

لم تعد تل أبيب تكتفي برفع الصوت ضد "الإيراني"، بل باتت تستخدم أدوات رمزية ناعمة، تدفع نحو تهيئة الأرضية النفسية والإعلامية لتغيير النظام في طهران.

في منشور حديث يحمل رمزية عالية الدلالة، نُشرت صورة لأسد ذهبي يحمل سيفًا منحنيًا، يدوس شعار الجمهورية الإسلامية الإيرانية. هذا الرسم ليس عشوائيًّا، إنه يعيد إحياء شعار الدولة البهلوية، التي سقطت عقب انتصار الثورة الإسلامية عام 1979، في دعوة صريحة لعودة إيران إلى ما قبل الخميني.

في الحرب النفسية، الرموز أبلغ من الخطابات، والصورة التي ظهرت في المنشور الإسرائيلي توحي بأن إسرائيل لا تمانع -بل ربما تسعى- إلى خلق ثورة مضادة داخل إيران

لم يعد التركيز الإسرائيلي مقتصرًا على "ردع البرنامج النووي"، بل بات يتجاوز ذلك إلى محاولة خلق سردية جديدة: "النظام الإيراني يتساقط، والمعارضة جاهزة لتحلّ مكانه".

في منشور مذيّل باسم "نمرود ريشيف"، جاء التعبير صريحًا: "النظام الطغياني في طهران يتضعضع مع تصفية أقطابه، والأسد الإيراني سوف ينتصر على هؤلاء"… تكرار عبارة "الأسد الإيراني" ليس صدفة، بل هو تلميح مباشر إلى وجود جهة بديلة تراهن عليها إسرائيل، إما في المعارضة المنفية، أو في تركيبة داخلية تُجهَّز وتُطعَّم برسائل إعلامية خارجية.

الأسد الذهبي والسيف المقوّس كانا رمزًا رسميًّا لإيران الشاهنشاهية قبل الثورة؛ استخدام هذا الرمز اليوم يُعدّ اختراقًا رمزيًّا للتاريخ والهوية، ومحاولة لتمرير سردية بديلة:

  • "إيران القديمة كانت معتدلة، حليفة للغرب".
  • "النظام الحالي دكتاتوري، معادٍ للسلام".
  • "المخرج يكمن في العودة إلى الهوية البهلوية".

في الحرب النفسية، الرموز أبلغ من الخطابات، والصورة التي ظهرت في المنشور الإسرائيلي توحي بأن إسرائيل لا تمانع -بل ربما تسعى- إلى خلق ثورة مضادة داخل إيران، تتكئ على ذاكرة الملكية وحلم استعادة "إيران الجميلة"، كما يروّج إعلام المعارضة المنفية.

إن الرهان على انفجار داخلي مدعوم خارجيًّا هو أقرب إلى الوهم السياسي منه إلى الخطة الواقعية

منشورات من هذا النوع تعيد إلى الأذهان ما حدث في العراق عام 2003. حينها، جرت تهيئة الرأي العام الدولي لفكرة الإطاحة بصدام حسين، عبر خطاب إعلامي طويل المدى عن "الأسلحة الكيماوية"، و"التحرير"، و"إعادة بناء العراق". لكن، هل إيران في وضع مماثل؟ الحقيقة أن المعطيات مختلفة جذريًّا:

إعلان

رغم الحركات الاحتجاجية التي شهدتها إيران في السنوات الأخيرة، فإن فرضية سقوط النظام عبر ثورة شعبية مدعومة من الخارج تبقى ضعيفة، للأسباب التالية:

  1. البيئة الأمنية شديدة الانضباط من خلال الحرس الثوري والمؤسسات الأمنية.
  2. ارتباط الطبقة الوسطى بالحكومة اقتصاديًّا عبر الإعانات والمناصب.
  3. وعي شعبي عميق بخطورة الحرب الداخلية، كما رأى الشعب الإيراني ما جرى في سوريا والعراق.

وبالتالي، فإن الرهان على انفجار داخلي مدعوم خارجيًّا هو أقرب إلى الوهم السياسي منه إلى الخطة الواقعية.

هل يمكن للإعلام أن يُسقط نظامًا؟! أما الجواب، فهو رهن بما إن كانت الشعوب تتذكر أم تنخدع بالشعارات

منشورات من هذا النوع توحي بأن إسرائيل تدرك أمرين:

  • أولًا: أن التهديد العسكري وحده لا يغيّر الأنظمة.
  • وثانيًا: أن إيران تمتلك مرونة إستراتيجية تمنع تكرار سيناريو صدام.

من هنا، تتّجه تل أبيب نحو التسلل الإعلامي والنفسي والثقافي، لبث بذور التفكك والانقسام داخل المجتمع الإيراني، خاصة عبر أدوات التواصل الاجتماعي والرموز الثقافية العائدة لما قبل الثورة.

الرسالة التي وجّهتها إسرائيل عبر هذا المنشور تتجاوز حدود الدعاية، وتتسلل إلى مساحة إعادة تشكيل العقل السياسي داخل إيران والبيئة الإقليمية.. إنها دعوة إلى انقلاب ناعم، بأدوات بصرية ولغوية وشحن رمزي، تراهن على "الزمن" أكثر مما تراهن على "السلاح".

لكن السؤال الأكبر الذي يبقى: هل يمكن للإعلام أن يُسقط نظامًا؟! أما الجواب، فهو رهن بما إن كانت الشعوب تتذكر أم تنخدع بالشعارات.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.


إعلان